النصابة
راحت تمثل على صديقاتها بقدرتها على التواصل مع الجن ومعرفة الغيب والسمو فوق الزمان والمكان, حتى أنها بطريقتها الماكرة استطاعت إقناعهن بقدراتها العجيبة, وقد وصل تأثيرها لإحدى معلماتها فأدخلت الخوف في نفس تلك المسكينة التي لم تعرف كيف تتصرف معها.
وصل خبرها لمدرسة أخرى فأتت بها وتحدثت معها, وحذرتها, فادعت أنها تمزح ليس إلا. لكن المعلمة لم تكتف بتحذريها بل إنها دخلت كل صفوف المدرسة وتحدثت عن حقيقة الجن وعن خداع من يدعي الاتصال بهم أو تسليطهم على البشر.
البنت ذكية, لكن عندها تلك الرغبة بالظهور, وقالت لها معلمتها: يابنتي تستطيعين بذكائك ومواهبك التميز عن طريق يحترمك من خلاله الناس وليس عن طريق يشتمونك فيه.
البنت طبعاً مثّلت أنها اتعظت وأعطت معلمتها وعداً بأنها ستتغير, وجاءت في اليوم التالي لتعرض عليها لوحة ليس فيها فن رسم بل فيها فكر
نعم فكر: رسمت ثلاثة مجتمعات وضعت لها مسميات:
مجتمع إسلامي فيه العلم وإتقان العمل والمسؤولية والعبادة
ومجتمع آخر جاهلي: فيه عبادة أصنام وجهل وفقر
ومجتمع آخر كتبت أنه علماني, رسمت فيه آلات ونساء عاريات ووسائل اتصالات وأموال .....
كانت لوحتها خالية من الجمال لكن فيها فكر استغربت وجوده عندها
شجعتها وقالت لها سننفذ هذه الفكرة بلوحة جديدة, حتى يكون عملنا متقناً ومؤثراً, وسنكتب على اللوحة أنها فكرتك , وشكرتها
وفي اليوم التالي للوحة كذبت, واتصلت بالمدرسة مدعية أنها مريضة وطلبت الإذن, ثم بالصدفة اتصلت معلمتها ببيتها فردت أمها وبادرت بالسؤال: لماذا أنتم معطلون اليوم؟ قالت لها لسنا معطلين, لكن ابنتك طلبت إذناً لأنها مريضة.
الأم الساذجة استغربت, لكنها مباشرة تابعت مؤكدة ادعاء ابنتها وأكدت مرضها, فردت عليها المعلمة بعصبية ولقنت الأم درساً في الصدق وفي أساليب التربية الصحيحة, لأنها تكذب, وقالت لها إنها لا تراعي الله في ابنتها وأنها اتصلت بها أكثر من مرة لتنبهها على تصرفات ابنتها دون فائدة
أسقط في يد الأم الساذجة المهملة ولم تستطع الرد, وأغلقت السماعة
عادت البنت في اليوم الثاني للمدرسة وكأنها لم تفعل شيئاً, لكن معلمتها ومنذ ذلك اليوم أظهرت لها أنها لا ترحب بها, وصارت تشيح بوجهها عنها, رغم أنها تتقصد القدوم لعند معلمتها بسبب وبدون سبب
ما رأيكم بهذا النوع؟ تفكر المعلمة بأن هذه البنت ذكية لكنها لا تقدر على ضبط رغبتها بالتميز الطاغي والشهرة, وهي تعرف أن الشهرة هذه الأيام تأتي عن طريق النصب والإغراء, وهي مستعدة لذلك
تصورت المعلمة أن هذه الطالبة ستصبح ممثلة في المستقبل بأحسن الاحتمالات, أو أنها ستصير ببساطة نصابة فقط.
كل هذا الاندفاع وهذه الرغبة عندها بالشهرة, وميلها لخداع الناس والنصب عليهم يجعل المعلمة ترى ذلك, وتتذكر ذلك الولد في سورة الكهف الذي أمر الله الرجل الصالح بقتله رأفة بوالديه
طبعاً فإن معلمتها لن تقتلها, لكنها تقارن, وقد جعلت هذه الطالبة معلمتها تنظر لقصة الولد بمنظار جديد, هؤلاء الفئة من الناس الذين تُظهر نشأتهم ما سيكونون عليه في المستقبل, هل من طريقة للتأثير فيهم وتعديل سلوكهم؟