مسخن ومنسف
سمر حامد العامودي
كانت في العاشرة من عمرها، يوم حدثتْ معها حادثة ظريفة، استوقفتني ضاحكة لتقولها لي، وكنّا نقف عند ذاك المخبز القديم فقالت: دخلتُ هذا المخبز، وكان عمري لا يتجاوز عشر سنوات، بعثتني أمي لأخبز عجيناً، عجنته لتوّها، من أجل ضيوف عندنا، وستعمل نوع من الأكل مشهور ومعروف، ووضعتْ العجين من أجل ذلك مرتباً ومصفوفاً على فرش- أو طبلية-، وحمّلتني إيّاه على رأسي، وحكتْ لي ما أقول للخبّاز ليشكّله لنا حسب الأكلة، وذهبتُ لخبزه.
ومشيتُ في طريقي مسرورة، متباطئة شأني شأن الصغار، ولكني في غمرة سروري ذاك، نسيت الكلمة التي قالت أمي لأقولها للخباز.عن الأكلة المشهورة، إلى أن وصلتُ الفرن وأعطيتُ عجيني للفران دون أن أتكلم، فقال لي: ماذا أخبزه لك؟ فصمتُ للحظات قبل أن يعيد عليّ سؤاله، ثمّ قال وهو يرتب العجين: رغيفٌ كبير مثل الطابون أم صغير؟ لأنه رأى العجين مكوّر عدة قطع وليس مفروداً.
فبلعت ريقي عدة مرّات قبل أن أهتدي إلى الكلمة التي قالت أمي، وبسرعة وقبل أن أنس، قلت له: مسفّن- بتشديد الفاء-. فنظر إليّ بشيء من الدّهشة ولم يتكلم، ولكن !هناك من تكلّم، إنها امرأة، لعلها اقتربت من الستين من عمرها على ما يبدو، كانت تجلس على كرسيّ خفيض ليس له ظهر، كأنها تنتظر عجينها لينضج.
فنظرت إليّ بعينين مبتسمتين مع رفع حاجبيها أقصى ما يكون الإرتفاع وقالت مُتساءله: مسفن؟ قلت : نعم، فقالت: أيش هذا المسفن؟
قلت: لا أدري، قالت من أيّ بلد أنت؟ من لبنان؟ أم من مصر؟ فظللتُ صامتة، لإحساسي أنها تهزأ بي.
وسمّرتْ عيناها السوداوان في وجهي للحظات، عندها أنقذني الخباز بسؤاله قائلاً؟ ماذا أعمل لك بالعجين يا ابنتي؟ أعمله للمسخن؟ أم للمنسف؟
وحينها فقط تذكرتُ ما قالت لي أمي، وتعجّلتُ بالكلام، وقلت : إعمله إذا سمحت خبزاً كبيراً للمسخن، وكنت قد أخفيتُ بلاهتي، ولا أريد أن يفتضح أمري، إذ ليس هناك أكلة يقال لها مسفّن بتشديد الفاء، إنما كما قال الخباز: إماّ منسف أو مسخّن. وكنتُ أنا قد جمعتُ بين الأكلتين بكلمه واحدة، وأخذ الخباز العجين مبتسماً، أما المرأة الفضولية فكانت سارحةً بنظرها في الأرض! ويبدو أنها لم تسمع ما دار بيني وبين الخبّاز، وكانت تردد بصوت أسمعه بصعوبة: مسفّن مسفّن؟ من أي بلد هذه الأكلة؟.