يومٌ آخرُ غيرُ عاديٍّ من أيامِ الأسدِ الابن

أيهم نور الدين

 الدخان يتصاعد من أربع أنحاء دمشق ورائحة البارود الحانقة تعطي نكهة غير محببة لحلوق الجميع في دمشق وضواحيها بمن فيهم سكان ذلك البناء الضخم القبيح المترامي الأطراف الواقع عند سفح جبل قاسيون .

كان قصر الشعب أحد المتاعات التي ورثها الأسد الابن عن والده الشهير الذي أشرف على بنائه حجراً حجراً وساهم بوضع مخططاته المعمارية مع أنيسة وأخيها محمد , أما الناحية الإنشائية فقد تركت للمهندسين الروس والكوريين الشماليين الذين برعوا في بناء الجحور والأنفاق التي تتحدى أعتى القنابل النووية ... لا يمكن القول من وجهة النظر الإنشائية أن هذا البناء لا يضاهي قوة ومتانة الأبنية المشابهة في العواصم الكالحة كبيونغ يانغ ورانغون  .. أما الشكل فيمكن التوقف عنده طويلاً .

كانت سلسلة لا تنتهي من الغرف المتلاحقة الملتصقة ببعضها  تذكر الزائر بالبيوت الريفية القابعة عند  سفوح وبطون وذرى جبال العلويين .

لقد أصرت أنيسة حينها على وجود قن الدجاج في حديقة القصر ليذكرها بطفولتها في بستان الباشا , ويعلم الله وحده كيف أقنعوها أن الدجاج سيخرب النباتات والزهور النادرة كما أنه من المضحك أن يرتع الدجاج بين أقدام الضيوف عندما يستقبل القصر زواراً كباراً , لكنهم – وإرضاءً لها – بنوا غرفة على سطح الجهة الشمالية من المبنى الرئيس لتمارس فيها هوايتها المحببة , وأصرت هي بالمقابل أن تكون الغرفة محصنة كباقي الغرف الأخرى خوفاً على الدجاج المسكين عندما تقع نائبة ما , وهذا ما حصل .

تناست القصة فيما بعد .. وربما نسيت شكل الدجاج نفسه , فقد بلغ أكبر الأولاد سن الرشد وازدادت بهذا مشاكلهم والسيطرة عليهم خصوصاً وأن مجد الصغير كان قد بدأ يهلوس , وانتشرت الشائعات الخافتة بأنه بدأ بتناول عقار DS بل وأدمن عليه , كما أن نوبات الغضب التي لا تنتهي لدى ماهر قد أخذت تترافق مع رغبته بأذية الآخرين وخصوصاً شقيقه الخجول المرتبك على الدوام بشار .

وحدهما باسل وبشرى كانا شكلانياً الأكثر اتزاناً في هذه العصفورية , ولولا جموح بشرى وبوادر شبق عارم بدأ ينتابها منذ سنين قليلة لكانت كاملة ..

كانت غلمة بشرى وحبها الغريب للجسد يذكر أمها على الدوام بشقيقتها فاطمة ( أم عاطف ). كانت أنوثة بشرى المبكرة , كما سادية باسل وتعامله بقسوة مع أخوته والحرس لا تزعج الأم كثيراً بقدر ما تزعجها انطوائية بشار وتلعثمه ونومه المتقطع إضافة لنوبات الهلع والصراخ الدائمة التي تصيبه في صحوه ونومه مما جعل من حبوب الفاليوم 10  رفيقاً دائماً له .

وكان بشار بالمقابل زبوناً أميناً لقن الدجاج المنسي .. يهرب إليه كلما أحس بفقدانه لذاته , ثم أصبح ملازماً له كلما أتوا لقصر الشعب .. فيأكل ويشرب وينام فيه .

وها هي الأيام تمضي , وها هو يصبح سيد الوطن في لحظة أحس فيها الزمان بالتعب فغفا لهنيهة , وعندما أفاق كان كل شيء قد انتهى , وأصبح بشار حاكماً بأمره .

**********

كان الدخان الخانق الثقيل يملئ الجو والحلوق والصدور .. وسيد الوطن للمرة الخامسة وربما السادسة يخالف تعليمات العقيد كاربوف من ملاك قوات النخبة الروسية وقائد الحرس الرئاسي السوري منذ فرضه لافروف عليهم بعد أن فقدت القيادة الروسية الثقة في كل ما هو سوري  إبان سيطرة الجيش السوري الحر على مناطق حيوية من مفاصل العاصمة وهو الأمر الذي لم يكن له أن يتم لولا خيانة جزء مؤثر من الجيش السوري لقسمه بحماية الوطن وسيده من الأعداء الداخليين والخارجيين .

كان العقيد الروسي يصر على بقاء بشار على الدوام في الطابق السادس تحت أرض قاسيون .. وكانت فوبيا الأماكن المغلقة التي لازمت سيد الوطن منذ طفولته  تأبى عليه هذا , كما أن معدته تقرحت من هوت دوغ الجامبون وغيره من الأطعمة فاقدة النكهة المعدة لإطعام  رواد الفضاء في محطة مير والتي كانت ترد تباعاً من موسكو قد جعلته يحن حتى البكاء لسندويشة فلافل في حي الطبالة أو لصحن تسقية زيت عند بوز الجدي وهو ما كان ممنوعاً عليه منذ شائعة التسمم الشهيرة التي يبدو أن الـ KGB قد وضعتها بعين الاعتبار .

كانت دمشق تبكي .. وهو يبكي - لا لبكاء دمشق - بل لأنه يرى أن دمشق لم تبكِ بالقدر الكافي .. وها هي المدفعية الثقيلة التابعة للواء 105 تدك حي الميدان , ومع كل الرعب والهلع الذي يصيبه من دوي هذه القذائف من عيار 155 مم فإنها تشجيه في الوقت نفسه .. لماذا تأخر دخول المدفعية الصاروخية التابعة للفوج 751

لا تعجبني إدارة هذا الفريج للأركان .. هناك دائماً تقنين بالذخيرة وكأنه يدفع من جيبه , ولكن لا .. هاهو صفير الكاتيوشا قد بدأ ... جميل هذا السخاء والأجمل منه هذه الألسنة المتلوية من اللهب .. ما أشبهها بحفل رأس السنة قبل الماضي .

كانت القذائف تنهمر كالمطر على حيي الميدان ونهر عيشة , ثم دخلت مدفعية الكتيبة 601 لتمم معزوفة التخت الشرقي متجهة بقسوة وعنف نحو كفر سوسة ... لحظات قليلة وبدأ الدوي من كل الاتجاهات كما بدأت النيران تشتعل في أماكن أخرى ... التفت فجأة نحو قاسيون , وإلى موقع الكتيبة 601 تحديداً .. كانت انفجارات ضخمة تنبعث منها .. حسبها للوهلة الأولى محصلة طبيعية للقصف الذي تقوم به على كفر سوسة , ولكن لا .. ها هي النيران تلتهم موقع الكتيبة بأكمله .. استغرق وقتاً ليدرك أن شيئاً مبهماً يجري هناك ؟!.

في هذه اللحظة سمع جلبة وأصوات أقدام تتجه نحوه مسرعة , وصوت العقيد كاربوف الغاضب يرطن بعربية مكسرة : أنت شو بيعمل هون .. أنا بيقول أنت بيضل تحت يعني بيضل تحت .

أمسكه من تلابيبه على الفور اثنان من الروس الضخام وجروه مسرعين إلى الأسفل وورائهم يهرول ذو الهمة شاليش متمتماً  : لم يكن عليك سيدي الرئيس التواجد هنا في هذا الظرف .

كان السيد الرئيس يجرجر أذياله على الأرض مشوش الأفكار .. كان عاجزاً على الدوام أن يتأقلم مع المستجدات دون أن يمنح نفسه الوقت الكافي لاستعادة ذلك الجزء الضائع منها .

وكأي خروف مطيع استجاب لقسوة جنديي المهام الخاصة الروسية شاعراً بهلع غامض – ليس من دوي الانفجارات التي تقرع أذنيه بوضوح – بل من غضب العقيد كاربوف الذي يذكره بأخيه ماهر أيام طفولتيهما , ... لعن الله تلك الأيام التي بدأت تعود بقوة مع أشخاص آخرين أشد دمويةً وسيكوباتيةً من ماهر .... لعنك الله يا عاطف نجيب .

وصل إلى غرفته الكالحة الواقعة على عمق أربعين متراً في بطن الجبل : أطعموني ماءً .. صاح مخاطباً الجمع , لقد أحس بعطش ما بعده عطش .. أدرك خطل العبارة بعد أن رماها لكنه لم يهتم كثيراً بهذا الخطأ الكوميدي .. على الفور حضرت زجاجة ماء من نوع فولغا الروسية .. كانت مياه الدريكيش والبقين من ضمن الممنوعات .. " لعن الله حادثة التسمم تلك كم أذلتني وغيرت حياتي " .

استعاد ذاته وموقعه كسيد للوطن بعد أن جلس وراء مكتبه في غرفته الزنزانية هذه .. فمن هنا , ومن هذا المكتب .. وعلى هذا الكرسي بالذات تدار وتحكم سورية منذ أشهر طويلة .

كانت شاشة بلازما ضخمة تغطي الجدار المقابل له .. بينما تتوزع بضع  شاشات أصغر على الجدران الأخرى لتنقل بشكل مباشر ما يدور في فضاء دمشق وحمص وحلب وباقي المناطق الساخنة بالإضافة لما تتناقله محطات الأخبار العالمية .. كانت الشاشات مبرمجة بطريقة تتناسب ودعم معنويات سيد الوطن .. فعندما تسوء الأمور كثيراً على الأرض كانت جميع الشاشات تتحول تلقائياً نحو تردد قناة الدنيا حيث مسلسل صبايا وأبو جانتي , والأغاني الحماسية التي تلهج وتسبح بحمده هو شخصياً ناهيك عن الريبورتاجات التي تعدل المزاج حول حكمته وبسالة حماة الديار بما يثبت بما لا يقبل الشك أن سورية بخير .

*****************

شعر الجميع بهدوء سيد الوطن واستعادته لرباطة جأشه النسبية مما يعني حاجته للخلو بنفسه قليلاً للتفكير بخير الوطن والمواطن ... خرج الجميع , وبات وحده من جديد .

الله يلعنك يا عاطف نجيب ..  كرر اللعن مرات ومرات حتى فقدت الجملة معناها .. أمسك سماعة الهاتف المبرمج مسبقاً للتواصل مع رؤساء الإدارات والأجهزة الأمنية , كان تواصله الهاتفي – حاله حال تواصله مع المحيطين به – أشد سخفاً من كل تنظيراته الفارغة خلال خطاباته ومقابلاته التلفزيونية التي يشرف عليها فريق من الأولاد بقيادة لونا الشبل .. ضغط الرقم 4 وانتظر لثانيتن قبل أن يسمع صوت رستم غزالي قائلاً بتذلل تمثيلي واضح  : احترامي سيدي الرئيس .

ـ  رستم ؟؟ .. شو قصة صهرك وأختك ؟؟ ميقولوا انشقوا على العربية قبل شوي ؟؟ .. شو مَيصير وأنت آخر من يعلم ..

" كان الخبر قد طعنه في الصميم .. إن كانت هذه طريقة إدارة رستم لبيته , فكيف هي إدارته لأرفع جهاز أمني في البلد ؟؟.

   ـ كذب سيدي الرئيس .. محض افتراء من المحطات المغرضة .

ـ بعدين .. بعدين ..

" لقد مل من هذا النفي السلبي على الدوام .. حسناً لم تأتِ ساعة الحساب بعد , كل شيء بوقته حلو يا رستم بك .. قالها لنفسه متابعاً " : شو الأخبار من صوبك ؟.

ـ كل شيء تمام سيدي الرئيس .. سوريا بخير .

ـ لا تجدبها رستم .. كل يوم عم أسمع منكم هاد الموشح كل السنة ونص الماضية والأمور ماشيه على الدوام نحو الأسوأ .. ارتحت شوي من النغمة البايخة بموت حسن وداود أتاريكم ستين حسن ومية داود .

ـ لا تصدق سيدي ما تقوله الفضائيات المغرضة ؟؟ بكل صدق أقول : سوريا بخير وها هي التقارير أمامي تبشر بالنصر القريب المؤزر.

ـ هلق أكيد سوريا بخير وَلك رستم .

ـ طبعاً سيدي .. مية بالمية .. حتى اسأل علي مملوك .

ـ بدي أسأله  .. طبعاً بدي أسأله .. مفكر حالك مصدر المعلومات الوحيد عندي ؟؟ .

ـ بس سيدي بحب خبرك انه علي مملوك بيزيدها شوي وبيبهر الشغلات كتير منشان  يبرز مواهبه وعضلاته .

ـ ولك بعرف .. أصلاً كلكن هيك .. طيب !!. شو  قصة الانفجارات بالكتيبة 621

ـ كذب .... مجرد أكاذيب من قنوات الفتنة والضلالة .

ـ ولك شفتها بعيوني عم تفقع . 

ـ معقولة ؟؟ وين هيدي الكتيبة سيدي .

ـ ولك ليكها  , معقول آ بتعرف  يا أفندي ؟.. هنا  بقاسيون والسما نهار من ورا  النيران.

ـ سيدي لحظة : مممممم .. كتاب رقم 234 / م ن / ع / ...

ـ ولك بلا علاك مصدي .. هات من الآخر .

ـ هذا كتاب من قيادة الكتيبة أنهم اليوم في هذه الساعة بالذات سيقومون بمناورات بالذخيرة الحية للأخلاء والإنقاذ إذا ما تعرضوا لهجمة من الصهيونية والامبريالية .

ـ هيك لكن .. شو قلت لي رقم الكتاب

... صمت ... : مممممم ... كتاب رقم 4815 / ص

ـ ولك هلق قلتلي 324

ـ والله تخربطت سيدي .. المهم : كله واحد .

ـ ماشي .. ماشي وَلَك رستم , لنشوف آخرتها معكون ..  هلق لازمك شي .

ـ رضاكم سيدي .

ـ آ بدي وصيك .. الضرب بيد من حديد , لك صحيح كيف شفتلي هالدفعة الجديدة من الحرس الثوري .

ـ ممتازين سيدي , أعصاب حديد وقلب ميت .. بعشرة آلاف عنصر إضافي بقضي على الفورة بيومين .  

ـ والقناصين الجدد تبعون حارة حريك وصلوا ؟

ـ وصل منهم 300 مبارح تم توزيعهم على الفور على الأماكن الساخنة .

ـ منيح .. هيك ممتاز .. قال الأسبوع الجايه سماحة السيد حسن رح يبعتلنا كمان ألف .. بدي همتكم رستم منيح .

ـ أمرك سيدي .  

يضع سيد الوطن السماعة ثم يأخذها من جديد .. بضغط الرقم 1 فلا يسمع جواب .. يتذكر أن الرقم واحد خاص بالاتصال المباشر مع العماد آصف شوكت الذي استشهد من أسبوع  اثر الهجوم الجبان على مبنى إدارة الأمن القومي .. شعر بالراحة لتخلصه من هذا المنافس والبديل القوي في حال طرأ طارئ ما .. يضغط الرقم سبعة .. ودون أن ينتظر يبدأ بالصراخ : ولك علي مملوك .. ساعة لترد .

ـ بالجاهزية سيدي .. يصله صوت علي مملوك الأنثوي الهادئ ..

ـ شو صار مع اللواء جميل حسن بموسكو ؟؟ تحسنت حالته ؟؟

ـ   حالته مستقره ؟

ـ وشو يعني مستقرة ؟

ـ ما بعرف سيدي .. هاد تعبير طبي .. انتم الدكتور سيدي مو أنا ..

ـ طيب .. طيب .. وخيي ماهر شو صار فيه .. أم باسل هلكتني من الصبح استفسارات عنه وأنا ما فضيت حك راسي مع إني وعدتها أتصل بمشفى كراسنايارسك .

ـ بعد قطع ساقيه من الفخذين تحسنت حالته البدنية كثيراً لكن حالته النفسية سيئة جداً .

ـ نقص منه متر يعني ؟؟ ههههههههه .. ولك علي لسانك بقصه ما يسمع منك حدا هالكلمة .

ـ سيدي أنتم تتحدثون في بئر .

ـ شو قصدك ولك .

ـ سيدي قصدي أن صدري قبر لأسرار سيادتكم .

ـ شايف ما أحلاك .. هيك بدي ياك , ولك عيني ربك عيني ما أذكاك .. بتلقطا وهي طايره .

ـ  سيدي عندنا نقص كبير بالفيول والمازوت .. التقارير أمامي تقول أن 70 % من الدبابات والمعدات الثقيلة لا تتحرك بسبب نقص في الوقود .

ـ اليوم الصبح حكيت مع تشافيز .. أصيل هالزلمة , بعتلنا باخرتين حمولة 40 ألف طن مازوت ببلاش من أسبوعين واليوم بالذات دخلوا جبل طارق .. بتعرف ولك علي وين هاد جبل طارق .

ـ سيدي ما كنت بعرف أن طارق غني لدرجة أنه عندو  جبل   .

ـ ولك كر هيدي منطقة أسمها جبل طارق  .

ـ شط ذهني ع طارق أخوه  لطه ميقاتي .

ـ قصدك رفيقا لأسماء ؟؟ هاد بن عمه يا لوح ... المهم .. كمان الضهر وصلتني رسالة من أخي أحمدي نجاد بوعد بتمويل كافة احتياجات الجيش العربي السوري حتى سحق آخر فلول المندسين ... قديش كتار هالمندسين ولك علي .

ـ سيدي أعطني شهراً فقط لأنهي كل شيء .

ـ شهر ؟؟ ولك من 15 / 3 السنة الماضية وما بسمع منكم غير هالموشح ... ما عندكم غيره .  

ـ سيدي , هناك دائماً مستجدات جديدة لكن الدعم الصيني الروسي الإيراني إضافة لمقاتلي سماحتي السيد حسن والسيد الصدر قلبوا الطاولة فوق الجميع .

ـ دللوهن .. متدللوا جماعة جيش المهدي .. بيحبوا الأكل السوري كتير .. ثريد البامية لا تقطعوهم منه .

ـ تم يا سيدي .. تم

ـ والهريسة أم خط أحمر .

ـ مطابخ وزارة الدفاع من شهر ما لها شغل غير الهريسة أم خط أحمر يا سيدي

ـ ممتاز .. ممتاز , هدونن ضيوف يا علي .. ضيوف غوالي .

ـ وهو كذلك يا سيدي .. ونعم الضيوف .

ـ مَتشوفو لوليد المعلم ؟؟

ـ لا والله يا سيدي .

ـ   والله حالي حالك .. من يوم اللي بلع اوروبا وأنا محكي معه بالتلفون .. بخاف جيبو لعندي يبلع القصر بلقمة .. ولا لحظة آ بيهدّي معو .. هههههههههههههههه .

ــ هههههه , ما أخف دمكم وألطفكم سيدي الرئيس في أحلك الظروف ... هذه رباطة الجأش التي يتميز بها العظماء .

ـ بتعرف انه بتعجبني طريقة تفكيرك بالبشر .. دير بالك ع حالك منيح .. ما صفي لي غيرك أنت ورستم ( قالها بمرارة , لتعود له سوداويته من جديد ) ..هر هلق .

ـ احترامي سيدي الرئيس .

يغلق الرئيس السماعة , ضاغطاً على الفور زر البوفيه .. أراد كأساً من البرندي مع الثلج ليعدل مزاجه بعد هذا المجهود الكبير في خدمة الوطن .. يدخل أبو المجد على الفور وكأنه كان يقف على الباب .. كان أبو المجد هو الوحيد من شلة المحيطين الأصاغر الذين نجحوا في إختبارات الـ KGB الصارمة عندما قامت بغربلة كل المحيطين بالأسد بعيد حادثة التسمم الشهيرة ويعلم الله وحده كيف جدبها على محققي الاستخبارات الروسية ليقنعهم بصلاحيته .

كان أبو المجد  من القرداحة ويعمل في الأصل  شبيحاً مع ابن عم بشار المدعو " أبو عامر " , وقد التقاه بشار قبل أن يصبح رئيساً في إحدى زياراته النادرة لمنزل ابن عمه في اللاذقية فأعجبته صلعته ونظرات القسوة والجنون المنبعثة من عينيه فطلبه من منذر " أبو عامر " .. وخلال 24 ساعة أصبح من ملاك الحرس الجمهوري , يتباهى برتبة المساعد الأول و .. المرافق الأول أيضاً .

كان ولاء أبو المجد بالدرجة الأولى لمحقن الكوكائين .. و لا مانع من الولاء بين الحقنة والحقنة لولي  نعمته هذا .

كان يؤمن احتياجاته الفرفشية من أحد اطباء التشبيح الذين تعج بهم سورية الأسد التي نجحت كما يبدو في إفساد الكثيرين نتيجة المنهج الحزبي العقائدي طيلة الثماني والأربعين عاماً الماضية ومنهم هذا الطبيب . 

ولما كانت هكذا نوعية نفعية من البشر لا تجد صعوبة على العموم في تغيير ولاءاتها  , فقد اخترقه الجيش الحر واخترق معه كل شلة الإدمان ومن بينهم صاحبنا أبو المجد .

احترامي سيدي " يقولها أبو المجد وهو يقف بإحترام أمام رئيسه .

ولَك قاعد معي بالغرفة ؟؟ بسم الله الرحمن الرحيم !!.

سيدي متل آ بتعرفني , هَنا خرطوشة بفردك , .. وأراد أن يلقي إحدى نكاته ثقيلة الدم التي اعتاد الرئيس سماعها منه والضحك  عليها حتى الاختناق , لكن حدسه أوحى له أن مزاج الرئيس ليس على ما يرام فآثر الصمت .

جبلي كاسة براندي ع الحارك .

سيدي ما وصل البراندي الجديد من روسيا , عندنا فودكا , بجبلك فودكا

ولك قرفتني , الله يلعن الفودكا , من يوم يومها آبتنشرب .

سيدي عندي عرق حنبلاس شغل الضيعة من هالبيحبو قلبك , شو رأيك تجربه .

يا ريت " أراد أن يتابع فيقول أن سيده لا فروف لم يعد يسمح له بكل ما هو ليس روسياً , لكنه توقف في آخر لحظة ليقول بغصة : " بس آبحبو .

سيدي حاسك مو عل الحشيشي ( مصطلح سوري يعني أنه ليس على ما يرام ) .

ولك من ايمت كنا ع الحشيشي , من يوم اللي بلشوا هالمندسين بدق الخوازيق وهَنا ما ع بعضي , وا بو المجد آبتعرف هنت قديش هَنا هلق متمني كون أبو المجد وهنت تكون بشار , الأمور ماكلة هوا , وكل يوم  متاكل هوا زيادة عن يوم " قالها بحرقة وكأنه يريد الدخول في إحدى نوبات النحيب التي زادت في الآونة الأخيرة " .. امتلك نفسه وصمت قليلاً وقد ركبه ألف شيطان فصرخ بغضب : شو متعمل هون ولك بو المجد , قاعد متزحطني .

أدرك أبو المجد بخبرته أن الرئيس يريد اخفاء ضعفه بنوبة الغضب هذه " التي اعتادها المحيطون ببشار " فلم يعلق بحرف , بل ضرب تحية عسكرية مبالغاً بها صارخاً بصوت مجلجل : احترامي سيدي .. واستدار خارجاً .

أعاده صراخ أبي المجد إلى واقعه وطبيعته ..

كانت نوبات الصراخ والغضب التي تنتابه ليست بذات بال .. فبمجرد أن يصرخ عليه أحد في وجهه يهدأ في الحال , وهذا ما فعله أبو المجد بكل بساطة .

أسند  ظهره ببطء إلى مسند الكرسي وبدأت  الذكريات بنهشه بقسوة أشد من أي مرة مضت .. الله يلعنك يا عاطف الكلب " قالها بصوت مسموع " لو استمعت لنصيحة آصف وصفيته في بداية الأحداث ورميت جثته لتتناهشها الكلاب في درعا .. لك الله يلعن اللي بيسمع للنسوان .. كل الحق ع أمي .. ولك أنيسي , شو جانا منه هوه وأمه غير المصايب ع قولة ماهر , وكل ما منخلص من مصيبة منوقع بغيرا أكبر منها , لو صفاه بيي يوم اللي خطف بنت نبيه بري كانت كل هالقصص ما صارت من أصلها .. لك هيدي المؤامرة بلشت من يوم اللي تجوز نجيب علا خالتي فاطمة ... الله يلعنك انتي وجوزك وولادك يا أم عاطف .

ولاّ أنت يا خالي محمد .. أكلت البيضة عزمان بيي قام أبنك رامي أكل البيضة ومقلتها وبلشت الدفاتر تنفتح دفتر ورا دفتر , وكله محصل بعضه .. هلق لافروف قاعد يعملي مفتي وهَنَا بعرف انه حاكور صغير بحرشه بنص سيبيريا ما رح يعطوني وقت اللي بتحز المحزوزي .. ما فيه غير إيران متحلب معي صافي .. بس معقول أسماء ترضى تعيش مع الولاد بإيران , هيدي مفرعنة من عصها ع قولة أمي ... متعوده ع بارات وديسكوتيكات بريطانيا ؟.. ولاّ بشرى وأمي اللي تعودوا عالعز .. ويلي شو رح يصير فينا إذا نجحوا هالمندسين بالفورة تبعهون , وإنّي اعمل دولة علويّة بالساحل صعبة .. فرانسا بجلالة قدرا هداك الزمان عجزت .. قديش دَعمت بولاد الكنج وما مشي الحال ... معقول هَنَا أقدر ساويها وتظبيط .. بعدين شو ؟؟ مِنْ حاكم كل سورية لشقفة حاكم  للساحيل .. يعني محافيظ أحسنل مني ... بس محافيظ , محافيظ .. أحسن من المقطعة ببلاد الله , هاد اللي يشطك وهاد اللي يلطك بعد كل هالعز .

والله هادي النغمة اللي لازم سوق عليها .. شو رقمو بن عمي فواز ... مممممم .. ليكو ..

" يأخذ الموبايل ويضرب رقماً محفوظاً بذاكرته .. صمت لثواني .. " : ولك بن عمي كيف حالك ..

ـ هلا بكبيرنا وتاج راسنا .

ـ سماع ولك فواز من الأخر .. الأمور هون بالشام مغيمة كتير .. أنا بعتت كل الأسلحة الإستراتيجية اللي بالـ T4 ع حرشة زاما والبودي وشنبوطين مع ضباط وعسكر موثوقين بس هلق الهمة عليك وعلى خيّك منذر وولاد عمك محمد وزهير وهارون  ويسار وباقي العيلة بالتشبيح لتورطوا أكبر عدد من العلويّه معنا .. ما لنا غير هالحل وإلا منروح دبلكه وفرق عملة .. سامعني ولك فواز .

ـ لا تهكل هم ابن العم ,, كل الجبل تسلح وتلات رباعه تورط رسمي .. آفي بيت إلا وفيه منو شبيحين  تلاتة معنا للموت بس هنت خلي إيمانك بالله كبير . .. وحق الذي كلم موسى ع جبل الطور وقله هَنَا ربك إني رح خلي الدم للركب .

ـ قبضاي يا ابن العم .. هاد عشمي فيك .. قديش لازمك مصاري .

ـ ولا قرش ابن العم .. خير الله كتير والشباب ميلقطوا رزق وميربوا العالم .. آ بدي عودين ع الرواتب .

ـ ع التشليح ولك .. ما بطلتوا هالعادة .

ـ والله يا ابن العم ما في أحسن من هالشغلة هالأيام .. مو منشان الرزق بس .. منشان كسر شوكة العالم كمان .

ـ معك حق والله , طول عمرك وعيان .. لازمك شي وا بن عمي

ـ أي والله .. كتيبة كاتيوشا عند دورين منشان الحفة وسلمى .. كل ما قلنا خلصت بيرجعوا هالمندسين من جديد بيقفرعوا متل بزر البقيلي

ـ أبشر ابن العم .. الفوج 225 اليوم بيكون وصل وتمركز ببخضرمو الفوقا .. رح أبعت لكم منه كتيبه ع دورين وسريتين ع رويسة البساتنة ... بس طريق جبلة اللاذقية لازم تكمشوه منيح لأنه العصب اللي بيربط البحر بالجبل , وجبلة البلد لازم تنقرف وإلا خاصرتنا هيك رح تضل مكشوفة .. آ بدّي وصيك , بأمان الله ابن العم .

ينهي المكالمة ويرمي الموبايل بعصبية على طاولة المكتب .. لم يشعر بالراحة بعد هذا كله.. بل ازدادت سوداويته , وأصواتٌ مكتومة ناجمة عن ارتداد القذائف تلاحق أذنيه المرهقتين ... يفك أزرار قميصه بعصبية وهو يكاد يختنق , وتقف الغصة في حلقه وهو يريد أن يجهش بالبكاء .. شعر برغبة ملحة في عناق أولاده والحديث إلى أسماء .." لو كانت معي الآن " ... لكن بوجدانوف أصر منذ شهرين على اصطحابهم معه إلى موسكو كشبه رهائن للضغط عليه كيما يضعف ويترك ورائه كل شيء ويفر قبل الأوان ..  أحس برغبة محمومة بالصراخ .. وبصوت يتهدج يملؤه الغيظ والحنق والرغبة بالبكاء يصرخ : الله يلعنك يا عاطف نجيب .

في هذا الوقت كان أبو المجد في غرفته يحاول الاتصال برقم ما وجميع غلال الحقد على رئيسه تكبله .. كان لئيماً بطبعه ولا يعرف التسامح والأنكى أنه لا ينسى بسهولة إساءات الآخرين  .. كان يتواصل مع الجيش الحر في بعض الأحيان لتأمين احتياجاته المالية التي لا تنتهي ,..  في البداية بواسطة الطبيب الشبيح ثم بشكل مباشر فيما بعد .

كان يقدم أحياناً بعض المعلومات المهمة ومن ضمنها التحركات الميدانية للفرقة الرابعة الشهيرة والتي كان الفشل رفيقها أينما حلت .. كان يرد عليه على الدوام – من المعسكر الآخر - ضابط متزن دمث الأخلاق لا يشبه بأي شكل ولي نعمته القابع في الغرفة المجاورة .. لقد أفهموه عندما أعطوه رقم الهاتف أن صاحبه ضابط رفيع في قيادة الجيش الحر دون أن يعلموه من هو :

ألو .. احترامي سيدي .

أهلا بالأخ أبو المجد " يأتي صوت العقيد الهادئ عبر السماعة ".. أسمعك .

سيدي هاد الزلمة فارط ع الآخر , شو ناطرين تتريحوا العالم منه .

خير يا ابني ؟

سيدي ما ضل معه حدا غير شوية قراقيع بالحرس الجمهوري وكام أزعر من المخابرات .. وميقولوا الشباب أنه لولا بن خاله رامي والدسم اللي ميوصله من ايران آ فيه يدفع رواتب البشر .

كم تعتقد من موقعك أنه يستطيع البقاء .

سيدي آبعرف شو بدي قلك .. بس من شوي لو شفتوه لقلتوا لحالكن : مجنون وطالع من عصفوريّ .. الزلمة مستوي ونحن هون كلنا مستويين معو , آ بقدر طوّل سيدي .. بس يصير شي جديد بخبركن .

بالسلامة أخ أبو المجد

 يغلق العقيد الهادئ السماعة ويهز برأسه , وطيف ابتسامة ثقة تلوح على وجهه وهو يحلق في البعيد.