الموعد
خالد الغازي – السعودية
فتحت الممرضة باب الغرفة وأطلت على الردهة ونادت:
- فاطمة عبد الرحمن.
قامت المرأة الوحيدة في الردهة ودخلت الغرفة.
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام. تفضلي.
تفحصت الطبيبة الملف الموضوع على الطاولة قليلاً، ثم قالت:
- كيف الأحوال؟
- الحمد لله.
- لم تحضري في الموعد الماضي.
- انشغلت كثيراً.
عادت الطبيبة تتفحص الملف. ثم قالت:
- كل الأمور طبيعية؟
- نعم.
- لم تحدث أي تطورات؟
- أشياء يسيرة.
- والنظام الغذائي؟
- كما وضعت لي.
- والمشي؟
- بقدر الإمكان.
وضعت الطبيبة الملف وأخذت جهاز قياس الضغط ووضعته على ساعد المرأة وبدأت بالنفخ.
- أرجو أن تكوني مواظبة على أدوية خفض الضغط.
- نعم.
ألقت الطبيبة نظرة على الجهاز ثم خلعته ووضعته في علبته. قالت وهي تسجل الأرقام في الملف:
- القراءة مرتفعة قليلاً.
صمتت المرأة. قالت الطبيبة:
- ما دامت القراءة مرتفعة وأنت مواظبة على استعمال الأدوية – كما تقولين - فمعنى هذا أنك تتعرضين لضغوط نفسية، يجب أن تتجنبي أي توترات.
أطرقت المرأة، وقالت بتنهد:
- ليس الأمر باليد.
نظرت الطبيبة في الملف واستأنفت:
- أنت في الثالثة والأربعين، والحمل في هذه السن محفوف بعدة مخاطر، إضافة إلى أنك في الأشهر الأخيرة؛ لذا لابد أن تتبعي الإرشادات وتبتعدي عن التوتر. إذا استمر ضغط دمك على هذا الارتفاع فقد نضطر للإسراع بعملية الولادة، وهذا ليس في صالحك ولا في صالح الجنين.
- سأبذل جهدي بقدر الإمكان.
- الأمر في النهاية لصحتك وصحة الجنين.
- إن شاء الله.
أغلقت الطبيبة الملف وقالت:
- حسناً. موعدنا بعد أسبوعين بمشيئة الله.
أحنت المرأة رأسها وصمتت قليلاً ثم قالت:
- هل من الممكن أن تفحصي الجنين؟
- ما ذكرته لك ليس له تأثير في نمو الجنين فاطمئني.
صمتت قليلاً ثم قالت:
- أريد أن أعرف جنسه.
- أترغبين في ذلك حقاً؟
- نعم.
- حسناً، استلقي على السرير.
استلقت المرأة على السرير. أغلقت الممرضة الستارة وأحضرت جهازاً على عجلات وقربته إلى السرير. جلست الطبيبة بجانب الجهاز.
قالت وهي تضبط الجهاز:
- لديك أبناء؟
- خمسة.
- كم الذكور وكم الإناث؟
- كلهن إناث.
رفعت الطبيبة رأسها عن الجهاز وتطلعت في وجه المرأة قليلاً ثم عادت تضبط الجهاز. بعد قليل حملت المجس ووضعته على بطن المرأة.
- هل أنت واثقة من أنك تريدين معرفة جنس الجنين؟
- نعم.
- ربما كان من الأفضل ألا تفعلي.
- بل الأفضل أن أفعل.
أدارت الطبيبة شاشة الجهاز بعيداً عن المرأة وبدأت بتمرير المجس على بطنها. بعد دقائق وضعت المجس على الجهاز وأغلقته.
- ارتدي ملابسك.
ذهبت إلى طاولتها وفتحت الملف وبدأت بتدوين المعلومات.
جاءت المرأة وجلست أمامها. أغلقت الطبيبة الملف وقالت:
- ذكر.
جمدت المرأة وبدا عليها الذهول وعدم الفهم. قالت الطبيبة:
- الجنين ولد.
أمسكت المرأة بطرف الطاولة بقوة حتى ابيضت أطراف أصابعها، وارتسمت على وجهها معالم الدهشة مع الفرح.. مع الخوف. قالت بصوت واهن:
- هل أنت متأكدة؟!
- كما أنني متأكدة أنك أنثى.
- قفزت المرأة من كرسيها واحتضنت الطبيبة بقوة، وأخذت تبكي بصوت مكتوم.
أجلستها الطبيبة وأعطتها منديلاً. قالت لها:
- ألم أحذرك من التوترات النفسية؟
مسحت المرأة دموعها وقالت وهي تبتسم:
- الحمد لله. بشرك الله بالخير.
فجأة خلعت عقدها الذهبي من عنقها ووضعته بسرعة في يد الطبيبة.
- ما هذا؟! اعذريني. لا أستطيع أن أقبله.
- والله لتأخذنه. بشارتك تساوي عندي ذهب الدنيا.
- ولكن هذا..
قاطعتها المرأة وهي تقف:
- الهدية لا ترد. شكراً لك.
خرجت مسرعة، وبقيت الطبيبة مذهولة والعقد في يدها. فجأة دخلت المرأة ثانية:
- المعذرة!
أخذت محفظة يدها وخرجت مسرعة.