هجوم
عبد الواحد الزفري
أنا مثل كل الناس؛ لا أحب أن أهان أو تُمسَّ كرامتي، لكني في تلك المرة قبلت ألا أُعاملَ كرجل محترم؛ كؤوس، صحون، وكراسي تكسرت على رأسي، تشكيلة من صفعات ولكمات أمطرت وجهي، باختصار نلت ما يناله الطبل يوم عيد ولم أحرك ساكنا؛ دعني أحكي لك ما حدث:
كان الوقت ليلا، وكنت عائدا من الحمام الشعبي بالحي القديم، سمعت صياح امرأة آت من إحدى المنازل، وكان لحنجرتها رنات استعطاف تلين قلب الأسد:
- "وا! عباد الله، النجدة ...".
فيرد عليها صوت رجل:
"سأشرب دمك..."
ركبتني نخوة العرب وهببت لإغاثة المستنجدة؛ بكل حماس رميت حقيبتي التي كانت بها ملابسي المتسخة، خلعت عني جلبابي وطوحت به وراء ظهري، أخرجت من جيبي سكينا كبيرا؛ كنت أتسلح به للدفاع عن نفسي ضد قطاع الطرق، وفي الطريق التقطت عصا غليظة.
اقتربت من الباب المفضية إلى مصدر الاستغاثة فوجدته مغلقا، بشجاعة الفرسان الأشاوس ركلته بكل ما أوتيت من قوة حتى سقط ؛ كي أخيف الهاجمَ على تلك السيدة المسكينة، وأثناء توغلي جريا داخل تلك الدار كنت أَقْلبُ وأكسر كل ما لاقيته من أثاث؛ كي أزيد من همتي وحماسي وأُرهب وأضعف معنويات الخصم المرتقب، ولما ولجت آخر غرفة (مصدر الصراخ) شاهرا عصاي وسكيني، اكتشفت أني وسط ثلاث عائلات في عائلة واحدة، تتابع- في أمان الله - فيلم رعب عبر شاشة التلفاز، وكل فرد منهم كان من الحجم الكبير. وأما الصوت فلم يكن سوى صوت ممثلة يطاردها ممثل في سياق أحداث الفيلم.
لم أجد ما أبرر به تصرفي لتلك العائلة سوى أني تأبطت عصاي وسكيني، وقلت بعدما ألقيت نظرة ثانية نحو التلفاز وصفقت:
" "برافو"...أقنعتني الممثلة بأدائها؛ وكأن استغاثتها حقيقة".
أجابني رب العائلة بعدما شمر على ذراعيه المفتولتين:
"ليس كل ما نسمعه حقيقة".
تأكدت أن جوابي لم يقنع أحدا، فنلت ما خبرتك به في بداية الحكاية.