فاطمة مغلاج
فاطمة مغلاج
غرناطة عبد الله الطنطاوي
العائلة في هرج ومرج..
فاليوم عرس حبيبهم الغالي، الذي انتظروه من زمن بعيد..
عسى أن تهدأ الحال فيكون العرس عرسين..
ولكن الحالة الأمنية من سيء لأسوأ..
إذن لا مفر من عمل العرس في ظل هذه الأجواء المتوترة..
اتفق أهل العروسين على تفاصيل العرس، فاقتصر المعازيم على الأهل والأحباب القاطنين في الحي فقط، لأنه من الصعوبة بمكان أن يأتي شخص من حارة أخرى، ولو كانت هذه الحارة قريبة..
لبس العروسان ملابس العرس، وتوشحا بالعلم السوري الحر، وزينا البيت بهذا العلم الحر، وكأنهم قد تحرروا فعلاً من طاغية الشام، استبشاراً بالنصر القريب..
لبست فاطمة ملابس جديدة قد اشترتها لها أمها منذ زمن، لأجل هذه اللحظة التاريخية..
فكان فستاناً أزرق جميلاً مزركشاً، وأسورة رقيقة كرقة فاطمة الحلوة..
صدحت الأناشيد الثورية معلنة بدء الحفل، فتوافد المعازيم بهدوء ورصانة، وكأن على روؤسهم الطير، يحاولون الابتسام وإظهار الفرح للعروسين، ولكن قلوبهم حزينة متألمة متوجعة تصرخ بصمت كئيب..
وُزعت الحلوى البسيطة على العروسين والمعازيم، وإذا بطائرة حربية تقترب من مكان العرس..
أخذ المعازيم بالتكبير والتهليل، والنساء بالبكاء والدعاء..
وإذا بقذيفة عمياء صمّاء ولكن لها صوت مجلجل تسقط عليهم..
تناثرت الدماء والأشلاء
وعمّ الموت الزوؤام أهل العرس الأبرياء..
استفاق الناس من صدمتهم، فأخذوا يلملمون جراحهم وأشلاءهم
صاح الأب بلوعة وهو يركض هنا وهناك:
-فاطمة.. فاطمة.. أين أنت يا حبيبة؟
لمح أبو فاطمة عن بعد فاطمة بفستانها المزركش الجميل، وهي ملقاة على الأرض..
ركض أبو فاطمة إلى ابنته وهو يدعو الله أن تكون فاطمة حية ترزق..
حمل الأب ابنته كي يضمها إلى صدره، وإذا فاطمة من غير رأس، والدماء تقطر من رقبتها الجميلة، وقد انسدلت يداها بعد أن كانتا مرفوعتين ترقصان بفرح وسرور، فهذا عرس خالها الغالي..
لم يصدق الأب عينيه، صاح بألم أهل الأرض جميعاً:
-فاطمة.. فاطمة..
ومن بعيد كان رأس فاطمة ملقى على الأرض وعيناها مصوبتان إلى أبيها الغالي، تشكوان الله مسلمين كغثاء السيل..