غزة الصمود والمحبة

غزة الصمود والمحبة

سليم عوض عيشان ( علاونة )

[email protected]

عندما تتلاشى النعال

***************

مهداة بتواضع :

إلى " عمالقة السجون "

إلى أبطال " حرب الأمعاء الخاوية "

إلى كل الأسرى في سجون الاحتلال في كل مكان ..

=====================

النعال الضخمة تنهال على وجهي .. على صدري ، بغيظ .. بحقد .. بغل .. بجبروت. أناتي المكتومة تزيد النعال ضراوة ، ينبثق الدم من وجهي من فمي .. من أنفي .. من عينيّ، قررت منذ البداية ألا أصرخ ، ألا أستغيث ، ألا أستعطف ، ألا أنطق....

ركلات النعال تزداد قوة ، تزداد عدداً ، سرعة ، لن أصرخ ، لن أستغيث ، لن أستعطف ، لن أنطق ، أتطوح بعنف ، أسقط إلى الأرض ، النعال تتوالى بركلاتها الوحشية نحو وجهي .. نحو عيوني ، أشخص إليها ، أراها تقترب من عينيّ .. تصطدم بوجهي بقوة ، أدور بعينيّ حولي ، النعال تزداد ، تكثر ، تركل ، تركل ، تأتي عن بعد ، تقترب ، تكبر ، تكبر .. تصطدم بوجهي بقوة ، بقسوة ، ينبثق الدم من وجهي من فمي .. من أنفي .. من عينيّ ....

أرتفع ببصري قليلاً قليلاً ، إلى الوجوه الغريبة ، أدقق النظر ، أفاجأ ، أدهش ، الوجوه تحولت إلى نعال ؟! أصبحت الوجوه الغريبة نعالاً ، تحدق بي ، تنظر نحوي بسخرية ، تقترب مني ببطء ، تقترب أكثر.. أكثر.. ترتطم بوجهي بقوة، بعنف، بقسوة.. تتلاشى النعال ، تتلاشى الوجوه ، يتلاشى الإحساس بها ، بالحياة....

طرقات النعال عن بعد سيمفونية نشاز شيطانية ، توقظني من غيبوبتي الطويلة ، أتململ ، أحاول فتح عيوني ، ثقيلة كالجبل ، تأبى الانصياع ، أمد يديّ نحو عينيّ أساعدها .. تفشل يديّ ، أمد كلتا اليدين ، بالكاد أستطيع أن أباعد الجفون ، بالكاد أفسح المجال للرؤيا ، لا أحد حولي ، طرقات نعال الحارس في الخارج تزداد ، تقترب ، تصخب، تهدر، أغلق عينيّ المغلقتين ، أصم أذنيّ بأصابعي .. طرقات النعال تهدر ، تدوي ، تخترق جبال العيون ، وأقفال الآذان ، تختلط بصدى ركلات النعال المحفورة في وجهي ، في نفسي ، طرقات نعليّ الحارس في الخارج تدوي بعنف ، ركلات النعال تحطم وجهي ، تحيط بي من كل صوب ، تحدق بي ، تخرج لي ألسنتها تهزأ بي ، تقترب ببطء .. ببطء ، ترتطم بوجهي ، بعينيّ بقوة ، بقسوة . طرقات نعليّ السجان في الخارج تبتعد .. تبتعد ، تتلاشى....

هدوء موحش كهدوء القفر ، سكون مخيم كسكون القبر ، استحالت جدران الزنزانة إلى نعال ، الباب ، النافذة ، السقف ، " الجردل " ، نعال .. نعال .. تزحف نحوي تقترب مني ، تصفعني .. تركلني بشدة ، تعود إلى الوراء ، تعود إلى الاقتراب لتصفع ، لتركل ، لينبثق الدم ....

من قدميّ إلى سقف الزنزانة كنت معلقاً ، رأسي إلى أسفل ، أنظر إليهم من حولي، صورة مقلوبة ، أشكالهم تثير الضحك ، تثير السخرية ، وجوههم التي تشبه النعال إلى أسفل ، نعالهم التي تشبه وجوههم إلى أعلا ، ابتسمت للمشهد المضحك ، ضحكت ، دوت ضحكاتي تغطي صخب ركلاتهم ، عجبت للصورة المقلوبة ، لم أرَ قبل الآن نعالاً فوق الرؤوس سوى نعالهم ، ولم أرَ وجوها تشبه النعال سوى وجوههم ، غطت الابتسامة وجهي .. الركلات ، لم أصرخ .. لم أتألم .. بلغة غريبة سمعتهم يصرخون ، بشكل هستيري رأيتهم يتألمون ، يركلون ، يصرخون ، يتمزقون...

منذ البداية قررت ألا أصرخ ، ألا أستعطف ، ألا أستغيث ، ألا أنطق . في النهاية قررت أن ... أن أهزأ بالنعال ، أسخر منها ، أمد لها لساني مستهزئا ساخراً0

أقدام السجان في الخارج تقترب ، تدب على الأرض بعنجهية ، تدق الأرض بعصبية ، القدمين تصبح أقدامًا .. آلافاً ، تقترب .. تزداد صخباً ، تقترب ، ينظر السجان من ثقب الباب نحوي ، كفحيح الأفعى بلغة غريبة تمتم : " ما زال حياً ؟! " ...

تمتمت في سري : " نعم .. ما زلت حياً وسأظل ، رغم أنهم لا يريدون "

مفتاح الزنزانة الصدئ يدور في ثقب الباب بقوة ، تندفع النعال داخل الزنزانة ، تحيط بي ، تركلني ، أمد لها لساني سخرية ، تنهال الركلات على وجهي ، على فمي ولساني ، أُسرع بإدخال لساني إلى الداخل ، أخرجه آلاف المرات ، تنهال عليه آلاف الركلات ، أحاول النهوض ، تحاول النعال منعي ، أبصق عليها ، أُقاوم .. أستند إلى ذراعيّ، تنهال ركلات النعال إليها ، أُقاوم ، أنهض ، تنهال الركلات إلى وجهي كالمطر ، ينبثق الدم كالشلال ، أُقاوم .. أنهض .. أسمو فوق ركلات النعال ، يتلاشى الإحساس بالألم ، تقابلني الوجوه التي تشبه النعال ، ترتطم بوجهي بشدة ، أبصق عليها .. أُقاوم .. أسمو فوقها، أصل سقف الزنزانة ، أحطمه برأسي.. أُصبح عملاقاً ، أخترق السحاب ، أصل إلى القمر .. الشمس .. الكواكب .. النجوم ، أنظر إلى الأسفل ، النعال تتقزم ، الوجوه التي تشبه النعال تتلاشى .. تندثر .. دمائي بأرض الزنزانة تزهر وردة .. زهرة .. زنبقة عملاقة ، مئة وردة .. ألف زهرة ... مليون زنبقة .. تحطم الجدران .. تحطم الأسوار .. تخترق السحاب، لتصل إلى القمر ، إلى الشمس ، إلى الكواكب ، إلى النجوم .. تعانقني ، أعانقها، تشمني ، أشمها .. ننصهر في جسد سرمدي ...