بل أنت

إيمان شراب

[email protected]

كأنه العيد عندما يبرد الطقس ، فنادرا مايفعل ، ومعظم أيام السنة يشوينا الجو بحرارته ، فيذكرني ذلك - أحيانا - بجهنم ، فأرتعد خوفا ، وأتمنى أن تكون صلاتي أكمل وأكثر خشوعا ، أتذكر أيضا حماتي وزميلات العمل وجاراتي ، فأدعو الله أن يغفر لي ولهم فكم أكلت لحومهم .. وأتذكر أن القلب يحمل على هذا وذاك وتلك.. فأجاهد حقيقة كي أجعل منه مصفاة تتخلص من سمومه ،  ثم أتخيله نقيا نظيفا متسامحا محبا ، فأحب نفسي .

وبينما أنا ألوم هذه النفس ولعلها هي من يلوم ويعاتب أمام النافذة المفتوحة ، تداعبني النسمات الباردة وتعاكس شعري ، فأغمض عيني لذة فأشعر بها تتمادى في شاعريتها وتقبلني ،  أفتح عيني سعيدة منتشية ..

أهو أنت ؟

ومن غيري يفعل ؟

النسمات الرقيقة .

يضحك زوجي ضاربا كفا بكف ويضيف : بت أخاف عليك من خيالاتك يازوجتي .

المهم .. ما رأيك أن نخرج للحديقة فنكون وسط النسمات لعلها تقبّلني أنا أيضا ...

لم يعجبني رده !.. و

خرجنا ، استرخى زوجي ، وأخذ يتأمل القمر والنجوم ، بينما توترت كثيرا ولم أهنأ في جلستي .

لم تطل جلستنا ، فانتفضت واقفة ، وقلت له : لنذهب من هنا .

نظر مستغربا : لماذا ؟

قلت : أكاد أتجمد من البرد .

بدا عليه الضيق ولكنه استسلم ، ركبنا السيارة عائدين ، كنت أجلس وقد كتمت غيظي .

سألني : ما بك ؟

قلت : لو فكرت بشاعرية ، لنزعت عنك معطفك ودفأتني به .

ضحك وقال : لينة ، غريبة أنت فعلا ، وكثيرا لا أفهمك . لو قلت لي لفعلت.  ثم قللي من مشاهدة المسلسلات والأفلام .

قلت : وما المشكلة في أن تكون شاعريا ؟

قال متضايقا : ومن قال أنني لست كذلك ؟ أنا أبذل جهدي كي أدللك وأعبر عن حبي بكل الوسائل قديمها وحديثها متبعا أسلوب عنترة مرة ، وأسلوب مسلسلاتك مرة  ، مضيفا إليهما إبداعاتي الشخصية ! ولكنك دائما ترينني مقصرا ، ولاأعرف كيف أرضيك .

عدت للصمت ، ونظرت إليه خلسة ، فوجدت وجهه باردا ليس عليه أي ملامح ، تمنيت لو أنه أمسك يدي الباردة ليدفئها ، ولكنه لم يفعل !

ولا أدري حتى متى أظل أعلمه كيف يتصرف بشاعرية ! ولكن دون فائدة ! يتزوج الرجل ولا يعرف كيف يتعامل مع زوجته .. عليهم أن يأخذوا العديد من الدورات في فن التعامل مع الزوجات ، كم هم خشنون قساة !!

بعد أسبوع ،  حيث ما زالت النسمات اللطيفة  تتجول في الأجواء بحنان فتنعش المشاعر،  اقترح زوجي أن نخرج لنفس الحديقة . تعمدت ألا ألبس مايدفئني ليلبسني معطفه هذه  المرة ، ومؤكد أنه سيفعل لأنني علمته .

عند الباب قال لي : لينة ! هل ارتديت ما يدفئك ، لا نريد أن نعود سريعا هذه المرة .

قلت في نفسي : لافائدة  فيه ولن أرتدي شيئا ! وكدت أن أجعلها كبيرة ولكنني تنفست بعمق وتسامحت .

في الحديقة ، جلست أتحدث وأتحدث حتى أنسى إحساسي بالبرد ، ولكنه شعر بي أرتجف من البرد ،  نظر إلي نظرة لم أفهمها ، هل هو يلوم ؟ هل يشفق ؟ هل يخفي شيئا ؟

لم يقل شيئا ، ذهب إلى السيارة وعاد ، أحضر معه كيسا أنيقا ، جلس إلى جواري ، أدخل يده داخل الكيس ، أخرج منه بعض المكسرات ، ثم الشيكولاتة ، ونظر إليّ مبتسما ،  لازلت لا أفهم ! وقبل أن أجامله وأبتسم ، ناولني علبة فتحتها فإذا فيها قرط  كنت قد وقفت عنده طويلا في السوق في إحدى المرات واستدرت عنه في حسرة لأنني لا أملك ثمن شرائه ، وأشفقت على زوجي أن أطلبه ، لمعرفتي بالتزاماته . 

قال : ما رأيك ؟

قلت : رائع .

قال : أنا أم القرط ؟

قلت  ضاحكة : طبعا أنت .

تابع : وما رأيك بعقد الورد هذا ؟

لم أستطع أن أجيب فقد أشعرني بالخجل من نفسي إلى أبعد حد !

 ولكنني لازلت أرتجف ، ولم أميز أذاك من البرد أم من الخجل والحرج !

أمسكت يده ، فضغط عليها ، ثم أخرج معطفي الذي أحضره هو وألبسني إياه سعيدا ضاحكا .

ضحكت وبكيت معا . مسح دمعتي . ثم ..

سألني :  أيتها البكاءة ! ماقولك ، أنا أم أبطال خيالاتك ؟