التعايش مع القهر
إلى روح الشهيد قشطة
دلال رشاد – غزة- فلسطين المحتلة
لازلت أذكر صور السجانة وهي تعذب العراقيين وتجرهم بحبل وهم مجردي الملابس, ووجوههم مغطاة بأكياس سوداء.....
لست أدري من بالضبط من المحققين الذي كان يحلو له ضربي في أماكن حساسة في جسدي و يشتم أمي وزوجتي وأخواتي بأفظع الألفاظ, لكنني لم و لن انسي صوته ولا أصواتهم أبدا, أنا خصيمهم أمام رب العالمين..
في رفح, امتلأ البيت بالمهنئين بالسلامة
حمدا لله على سلامتك يا أبو مصطفى الحمد لله..
لا تحزن فالسجن للرجال..
كل واحد من الزائرين كان يمتدحني محاولا أن يخفف عني ما ألاقيه من الم نفسي وروحاني
لازالت طعم الإهانة في فمي ورجولتي النازفة تبكي على استحياء
كنت معصوب العينين
وعندما صرخت من شدة التعذيب لماذا تفعلون ذلك؟ ماذا فعلت لكم؟
انهالوا علي بالضرب وأصواتهم كزلزال يعصف كياني اخرس يا كافر, هذا جزاء من يعمل لدى العلمانيين
لكنني لا اعمل مع احد أنا مدرس..
لا علاقة لي بأحد..
لست ادري عدد الصفعات التي تلقيتها على رقبتي ووجهي..
ولكنني اذكر البصقة التي تلقيتها على وجهي عندما طلبت منهم أن اصلي
اقسم بالله العظيم أنني بالفعل أردت الصلاة
قالوا لي هنا لا يوجد اله , يوجد نحن ونحن فقط, ونحن أداة الله على الأرض, أيها العلماني القذر
بعد عدة أيام من التعذيب القوا بي على مفترق دوار حيدر عبد الشافي في مدينة غزة
في ساعات الفجر الأولى
وجدني المارة وأعادوني إلى مدينتي رفح العريقة
هناك سألت عن زميلي وصديق طفولتي قشطه وهذا اسم عائلته
قالوا لي لقد استشهد؟
سألتهم كيف ومتى؟
لقد قصف جيش الاحتلال المقرات الأمنية وكان محبوسا هناك, هرب السجانون وتركوه مقيد اليدين ومعصوب العينين
هربوا وتركوه ليلقى حتفه ويترك زوجة في مقتبل عمرها والعديد من الأطفال
لقد وجدوا جثته تحت الركام مقيد اليدين إلى كرسي من الخلف, ولازالت العصبة على عينيه
لقد دفنه أهله على هذه الشاكلة
لم يحلوا قيده..
لم يزيلوا العصبة عن عينيه..
فقط دفنوه كما هو.. فالشهيد يدفن كما هو
لقد تمنى الشهادة وقد نالها
انصرف الجميع وبقيت وحدي مطرقا في الأرض..كان رأسي فارغا تماما من كل شيء..كان كياني يسبح في فضاء اللاوجود..
أبو مصطفى...أبو مصطفى
العشاء جاهز
نظر إلى زوجته
تلك الزوجة الحبيبة الصابرة القائمة الصائمة
آه يا زوجتي لو تعلمين ماذا قالوا عنك وأنا لا أستطيع الدفاع عن نفسي ولا عنك أمام تعذيبهم...
آه لو تعلمين كيف تستحيل الحياة جحيما لا يطاق..
قام متثاقلا..وأمامها ..ركع على ركبتيه وبكى..بكى كما لم يبك في حياته من قبل...
وفي الصباح..
أيقظته كي يصلي صلاة الفجر..
لكنه لم يقم..
كأن روحه تمنت المفارقة على أن تتعايش مع القهر...