لا أرخص من أن تكون صحفيا

عزيز باكوش

[email protected]

يمشي الهوينى في الشارع العام ، ذاكرته تعتمل بألف سؤال  وهم ، اقتعد كرسيا بمقهاه المفضلة ، شرب مقالات ،  وتصفح فناجين الشارع العام  ، فيما عيناه زائغتان مثل مساحتي زجاج مخبولتين. الحسناوات المتحجبات على طريقة إقرأ من الأعلى وروتانا من الأسفل ،  يعبرن الى الضفة الأخرى  بالكعب العالي  فوق أزهار  حديقة حديثة التكوين .

كان المرشدون  المزيفون  ، يتسلقون أمام عينيه أكتاف  سياح  عجزة ، ويحتكون بلذة مع  أجساد مترهلة لعجائز طاعنات قادمات من  بلجيكا وهولندا ،   يتدفقن بغزارة  هذه الأيام على فاس  العريقة وهي تندب 12 قرنا من تاريخها  .

أما   باعة السجائر والمعجون  والمخدرات المصنفة وخارج التصنيف ،من القاصرين فهم  يجوبون الأزقة والدروب بدراجات هوائية ،تمزق المساحات الخضراء ، وتعبث كما تشاء بكل جميل  ،  ويستطلعون أروقة المقاهي الفارهة مثل سلاحف مذعورة  بحثا عن زبون 5 نجوم ، ونسخ الكلمات المتقاطعة من الوجهين  تتماوج بين أصابعهم الكسلانة التي لم تحمل قلما منذ الولادة .

الصعاليك ، والمتقرقبون  وشمكارى الاحواز الذين يتدفقون  كل صباح  مجانا  ، وحدهم  السادة ،  فحريتهم لا تضاهى ، وحقوقهم الإنسانية تطبق بلا ضوابط ،   إذ بإمكانهم فعل أي شئ  أمام الملا ، احتساء فناجين القهوة والعصائر من طاولات المقاهي المنتشرة على جنبات الشارع العام عنوة ، سرقة محافظ الفتيات كما لو كان ذلك واجبا وطنيا ، وحينما لا يجدون ما يرغبون فيه ، يلقون بالمحافظ في وجوه أصحابها في شراشة قل نظيرها. هذه فاس العالمة ، فاس الصوفية و والروحية التي لا يستقيم تاريخها إلا وهي مزدانة بصور ومشاهد  تؤذي العين ،  أكياس القمامة  السوداء ترصف الممرات والمطاعم الشعبية بها كما لو أنها جزء من ديكورها العام ، والمتسولون يتصرفون بغباء ويهتكون صفاء الحياة بممارسات بشعة ،  بما في ذلك  مضاجعة المتسولات  في حالة صعبة نهارا  ، التبول على المآثر والأسوار  التاريخية  ، والاغتسال بشلالات النافورات المتناسلة على امتداد تراب فاس ،  والنوم بأبواب المؤسسات التعليمية او التغوط سيان. ويسركلون  ركضا في  الشوارع والمسالك  بلا فرامل ، مثل قطار اعور.

   في لحظة سمع  صوتا يناديه

--دقيقة من فضلك؟؟

--تفضل...

--الأخ صحافي ؟؟

 تمتم بعد ان  اختزل كل التفاصيل

--متعاون

--..اي نعم؟؟؟؟

--لدي موضوع ارغب في بسط تفاصيله ، وأود لو تكون لي أذنا صاغية.

--المقهى أفضل ، أليس كذلك ..قال .

رشف  جرعة من عصير كوكتيل كما لو لم يتذوقه ، طوال حياته .وقال للصحافي بنبرة المشتهي للكلام :

أنا  أستاذ ، تزوجت قبل أربع سنوات ، حصلت على قرض لمدة 18 سنة من اجل اقتناء سكن ، ولما كان العمارة قريبة من حماتي ، فقد فضلت زوجتي السكن بالمنطقة ، والتي  لا تبعد عن والدتها إلا بحوالي 20 مترا ، ولسوء الحظ ، كانت  مجاورة لواد حار غير مغطى ، الملفت سيدي الفاضل ، أن الواد الحار   تحول الى مستنقع فيما بعد ،وبتنا نستنشق هواء ملوثا ، كان يحدثني وكأنما يحمل تفوض 5000 آلاف من ساكنة حي الزهور، المقام حديثا على مساحة تضاهي 20 هكتارا . وأسهب المسكين  في شرح تفاصيل المعضلة   ، فعلى مدى السنوات الأربع ،  ظل يحشد الآراء  ، ويعد العرائض  ويقدم الالتماسات  الى رجا ل السلطة بمناسبة او بغيرها ، من غير أن يكون لمسعاه اثر. 

وأخيرا ، فضل الالتجاء الى الصحافة.

  وختم مسعاه بالعبارة التالية

-- البريد عندنا  مرتبك هذه الأيام  ، وتودد لو أن الصحافي  أرسل الشكاية بالبريد المضمون  حتى يتأكد من وصولها  ، أما الصحافي فقد هزهز رأسه ، في إشارة الى موافقة بلا شروط  ، مما شجع الأستاذ على القول :

-- عندما ينشر الخبر بجريدتكم ، الرجاء الاتصال بي فورا  ، أو أقل لك ، احجز لي نسخة ، أو نسختين "

    ثم دون رقم هاتفه  الثابت والمحمول في عجالة كنجم من نجوم السينما  ، ثم  شكر  الصحافي   بحرارة . و انصرف .

قال النادل وهو يرد الصرف مبتسما

 --  قصدك الله هذا الصباح ؟؟؟

       حرر الزميل  الشكاية بضمير ،  وأرسلها بالبريد المضمون ، الى القسم الاجتماعي كما اتفق ، ولأسباب غير مفهومة ،  استجابت الجريدة  لنشره  في اقل من أسبوع ،  ربما  تحت ضغط مكالمتين محمولتين للتذكير  ، كما يحصل في العديد من الأحيان

--آلو ..الأستاذ ك.ك .  حياك الله أخي ،  مشكلتك ...، المقال.. نعم..نعم... نشر  اليوم ، الرجاء اقتناء نسخة من الجريدة " قال الصحافي بفرح .

 وبعد ان ذكر اسم الجريدة، ت.ش.ق.ش.  وعنوان المقال  ،   " حي الزهور لا يحمل منها سوى الاسم " ورقم الصفحة  6 . ودعه. على أمل اللقاء بعد يومين .   لكن الرد   من   الطرف الآخر  جاء  عاجلا و حاسما

--صديقي ، عذرا،  الرجاء حجز نسخة من الجريدة  أو نسختين حتى ، إنني في مهمة خارج المدينة ، سأعود بعد يومين . أشكرك .