هذا ما نتقنه نحن العرب

رنا سليمان

[email protected]

كانت جالسة على الأريكة الموجودة في طرف الغرفة , سرحت بخيالها وعادت بذاكرتها إلى الوراء .... شاهدت أبناءها في وسط الغرفة , تعلو ضحكاتهم تارة وتارة يعلو صياحهم , استفاقت على الواقع فإذا الأطفال كبروا وتزوجوا ... وأصبح لكلٍ منهم ما يشغله . ضحكت وهي تقول : هذا حال الدنيا.... ربنا يسعدهم .

نظرت إلى الساعة المعلقة على الجدار , ياالله إنها الساعة التاسعة مساءً , لقد حان موعد عودة زوجها من عمله , كان الله في عونه .

قامت مسرعة إلى المطبخ لتحضر طعام العشاء لزوجها ..... وما إن دخلت حتى فُتح باب المنزل , بادرها أبو فراس بتحيته المعتادة : السلام عليكم يا أم فراس

أم فراس : وعليك السلام يا أبا فراس .... دقائق ويكون العشاء جاهز .

 دخل أبو فراس الغرفة ...... بدل ملابسه وجلس على الأرض يتأمل جدران هذا البيت فهو ملاذه الوحيد بعد يومٍ شاق ٍ من العمل ........ أسند ظهره إلى الحائط أشعل التلفاز .... ظهرت على شاشة التلفاز مغنية تتمايل وتتراقص وأمامها جماهير غفيرة من الشباب والشابات يرقصون ويتمايلون , شعر أبو فراس بغصة من هذا المشهد , وحزن على حال شباب المسلمين وتحسَّر على ضياع النخوة ...... قام بتغير القناة ..... فإذا القناة الأخرى تعرض مسرحية كوميدية ....... وإذا بالضحكات تملأ جنبات المسرح ...... تابع بعض مشاهدها ... لم يجد فيها ما يضحك ..... فلم كل هذه الضحكات ..... هل تفوه الممثل بتلك الجمل السخيفة ... وبعض الحركات التافهة يدعو لكل هذا الضحك , إنه والله شيء يدعو إلى الشفقة ..... أمعقول أن كل هذه الجماهير ليس لها هموم أم هل تناسوا همومهم وهموم أمتهم وأقصاهم الأسير .... وعراقهم الجريح .... انتقل إلى محطة أخرى , لعله يجد فيها ما يفيد , إنها تعرض برنامج الكاميرا الخفية ..... أبو فراس محدثاً نفسه : آه كم أخجل من وجود هذا الجهاز في بيتي , سأبحث عن إحدى محطات الأخبار ......... لأرى ما هي أخبار المسلمين في فلسطين والعراق وغيرها من البلاد العربية الإسلامية .. شعر أبو فراس بالأسى بعد أن شاهد الانتهاكات الإسرائيلية وأطفال فلسطين يموتون تحت ركام المنازل المحطمة وتحت الحصار الإسرائيلي ...... ومآسي المسلمين في العراق تتجدد ..... شعر بغصة في حلقه ودموع حارة تنسكب على خديه , انتهت الأخبار .... فوجئ بالمذيع ينظر إلى المذيعة ضاحكاً ويصافحها شاكراً متناسياً كل ما كان يقدمه في الأخبار من قتل ودمار ومآسي ... أدار التلفاز على محطة أخرى ..... فوجدها تعرض جلسة من جلسات مجلس الشعب .... وأحد أعضاء المجلس يلقي خطاباً حماسياً عن الإنجازات والتطورات ..... ومستقبل الوطن والتحديات , وأعضاء المجلس يقطعون خطابه بين الفينة والأخرى بموجة من التصفيق الهادر ... تذكر مقولة ساخرة  تقول : ( التصفيق هو الوسيلة الوحيدة التي نستطيع أن نقاطع بها أي متحدث دون أن نثير غضبه ) ... تبسم أبو فراس وهو يقول في نفسه : أستطيع أن أضيف : ( إنها أكثر ما نتقنه نحن العرب ) ......... تنبه أبو فراس إلى زوجته وهي تدخل الغرفة حاملة الطعام ..... أطفأ التلفاز وتناول عشاؤه ..... وقام إلى سريره لينام ................. .