المقلاع
محمد عبد القادر التونى ـ مصر
في سكون تام ودونما أدنى قلق أو تفكير تجلس في مقدمة السوق خلف كومة الحبال التي فتلتها من ألياف النخيل وفى حجرها قطعة من الليف تستصلح منها وتفتل لا يزعجها ما يدور حولها من ضجيج لقد اعتادت عليه وخبرتها الطويله جعلتها على يقين بأن الصراخ والعويل لايجلب رزقاً ولا يطرد تعساً وبالرغم من ذلك لو كانت أحبالها قوية لصاحت مثلهم لكنها ذابت وذبلت مثل حبالها التي لا توثق عنزة في فلاة ، تبكى وجعها من هجر أبنائها وتفرقهم كل واحد في مكان ، حتى العيد ما عاد يجمعهم مثلما كانوا يفعلون قبل أن يصبح الهجر موطناً ، شغلت نفسها بحبالها تداعبها وتفتلها كأنها تداعب ضفائرها بأصابعها الناعمة الذابلة على أمل أن ياتى يوم وتشد الوثاق ، زحام شديد يتحرك فيه الجميع ببطء أشبه بخطى السلحفاة دونما أن ينظر إليها أحد رغم أنها في مقدمة السوق كأنها ملكت مفاتيحه لتأذن لهذا الحشد بالدخول ، لكن لم يلتفتوا إليها ! بالقرب من حوض المياه المعد خصيصاً بالسوق لتشرب منه الأغنام في فترة الانتظار بين البيع والفصال والشراء تجمعت العصافير تلتقط رزقها من بقايا طعام الأغنام متهللة بما وقعت عليه من غنيمة ولكن في وجل ! كأنما كتب عليها الفرار دائماً ، نذير السوء لاح من بعيد في ثوبه الأسود يتحامل على قدم واحدة والأخرى مبتورة فكان في سيره أشبه بمن يلعب ( الحجلة ) فزاد من فزع العصافير وسقط الحب من بين مناقيرها فارةً هاربةً إلى حيث تجد لها مأمناً ، بينما هو يسير في خطىً ثابته قاصداً حوض المياه ، لوحت العجوز بمقلاعها الذي صنعته من بقايا الليف المتواجد في حجرها ، إنشطر المقلاع إلى نصفين فأصابها في وجهها ، أدركت ساعتها أن حبالها خاويه !