الهاتف

عادل العابر - الأحواز

[email protected]

رنّت الساعة عند صلاة الفجر ... وحسبتها رنّات الهاتف! فرفعت الساعة وقربتها إلى أذني وأخذت أكرر...ألو ...ألو!

ولكنّ الرنين كان مستمراً ولا هناك أحد أردّ على مكالمته!

ثم وبعدما فتحت عينيّ إنتبهت أن ما بيدي ساعة وليست سمّاعة هاتف!

فغمضت عينيّ مجدداً لعلّي أستمر بالرؤيا  الجميلة التي امتلكت خلالها هاتفاً في بيتي!

ولكنّ الرؤيا هربت عندما رأت خيوط الضياء تسربت تحت بطانيتي وصارت تلاطف جفوني محذرة إيّاي فوت وقت الصلاة.

 كنت بحاجة ماسّة إلى هاتف، بل وكان وجوده في البيت إحدى أمنياتي التي سعيت لتحقيقها أكثر من مرة، ولكنّ شركة الإتصالات تواجه طلبي بعراقيل يعتبر تخطيها من واجباتها الرئيسية.

ولذا فإن أردت الإتصال بأحد من أصدقائي أو أقاربي أو بالشركة التي أعمل فيها، مشيت مسافة كيلو مترين من بيتي إلى مركز الإتصالات ثم كيلو مترين آخرين عند الرجعة.

  وبعد صبر طال لعدة سنوات، وبعد أن حلت شركة الإتصالات مشكلة الأسلاك، أصبح في بيتي خط هاتف ...

وسعدت أيما سعادة .... وسرعان ما ذهبت إلى السوق وأشتريت ثلاث أجهزة هاتف، لكل حجرة جهاز.

أحسست وكأني تقدمت عشرين عاماً من التطوّر...

توفير الوقت،

والتحكم في دقائقه،

راحة أعصاب،

إتصال دون ضجة المراجعين والموظفين.

ثم وبعد عام من الإستمتاع بالهاتف الأرضي، إشتريت هاتف جوّال وأصبح النور على النور ... فليرحمك الله يا غراهام بل.

 لم ينصرم عام آخر ...

وفي نيسان 2005 انفجرت الثورة الأحوازية منددة بالإحتلال الإيراني ...

واستشهد وسجن الكثير من أبناء الأحواز...

وسُجنت بتهمة المشاركة في المظاهرات وحُرمت من الهاتف الذي لم أستمتع باتصالاته إلا سنة واحدة، ومن الجوّال الذي لم يمض على شراءه إلا ستة أشهر!

وأفرج عني بعد عدة أسابيع ورجعت إلى بيتي ذي الهاتف الأرضي وإلى جوّالي،

لكني كنت مراقباً مراقبة شديدة!

 وذات يوم، اتصلت من الهاتف الأرضي بأحد الأصدقاء لأتفقد أحواله ...

ولم يمض يوم على إتصالي حتى أعتقل الصديق!

وسجن لعدة أسابيع لاقى فيها إستجواباً ركزت معظم أسئلته عن معرفته بي!

ثم أفرج عن صديقي المسكين بعد أن تعهد أن لا يواصلني قط!

وكان ذنبه الوحيد أنه تلقى إتصالاً هاتفياً منّي! 

فأمسى تحت مجهر مراقبة الإستخبارات هو الثاني!

وما لبث أن التحق بقائمة المراقبين كل من اتصلت به من هاتفي الأرضي أو الجوال!

وأضحت كل مكالمات زوجتي وأسرارها مع أمها وأختها وصديقاتها مكشوفة لدى رجال الإستخبارات الإيرانية!

فقللنا إتصالاتنا وقيدناها ... ولكن دون جدوى!

 ثم خطر في ذهني خاطر ... لماذا لا أقدم طلباً لدائرة الإتصالات أطلب فيه تغيير أرقام هاتفيّ الأرضي والنقال...  وكان لي ما طلبت ...

لكنهم كشفوا الأمر بكل سهولة!

وتعرّضت لإستجواب مرير وسُجنت ثلاثة أيام!

أتهمت بإقامة علاقات مع الأحزاب الأحوازية التي تنشط في الخارج ومع الأحزاب السرّية في الداخل، والدليل الوحيد الساطع الذي تشبث به رجال الإستخبارات ويؤكد علاقتي بالأحزاب هو تغيير أرقام هاتفيّ!

وعبثاً حاولت أن أجد مهرباً من مراقبتهم!

وهكذا وبكل بساطة انحرمت وزوجتي من استخدام هاتفينا الأرضي والجوال!

وانقلب الحاضر والمستقبل ماضياً ورجعت عشرين سنة كنت قد تقدمت فيها عند امتلاكي الهاتف!

وعدت إلى تضييع الوقت،

وتوتر الأعصاب،

وضجيج الزبائن والموظفين في دائرة الإتصالات.

واصبحت كالماضي أسير كيلو مترين ذهاباً قاصداً الهواتف العامّة كلما أردت الإتصال بأحد!

ثم كيلو مترين رجوعاً إلى البيت.

إنما هذه المرة لا يرهقني اعياء السير فحسب، بل وجود الهاتفين في البيت وحرماني من إستخدامهما وتسللي خفية إلى مركز الهواتف العامّة،

يضيف إرهاقي ويثير زوبعة إمتعاضي،

ويزيد غضبي المتكدس.

 لم أكن أتصور يوماً  أن يدخل هاتفاي في ثنايا النسيان ...

لكنهما دخلا، بعد أن سكت جرساهما سكوت الأموات!

وكأنّي لم أشتر جوّالاً ...

وكأنّ سلكاً هاتفياً لم يُمدّ إلى بيتي!