صراع مع النفس
رنا سليمان
كان البيت خالياً , يخيم عليه الهدوء المخيف , استلقى (سيد) – وهو مواطن مصري لجأ لإسرائيل منذ عشرين عاماً بحثاً عن المال – حاول النوم جاهداً ولكنه لم يستطع فقد استيقظ في داخله شخص ظل نائماً طوال تلك السنين , وبدأ بينهما حوار عنيف ::
-ما الذي دفعك للجوء لإسرائيل والعيش فيها ؟! ألم تجد أفضل منها ؟؟!
-حاولت في بلدي أقصد في مصر ولم أستطع إيجاد عمل , حاولت السعي وراء المعيشة ولكن لم يتحقق لي ما سعيت من أجله , لقد انتشرت البطالة وانتشر الفقر , ناهيك عن الإهانات التي تعرضت لها عندما أخرجت من شقتي بسبب تراكم الإيجارات عليّ.
-وهل كل ذلك يدفعك للبحث عن المعيشة الملوثة ؟
-لم أكن أنظر إليها على أنها ملوثة أو لا ... ثم أنني كنت أبحث عن أي دخل لأعيش .
-وكيف تبرر لنفسك الزواج من يهودية .
-لقد خرجت ولم يكن في خاطري أي فكر للرجوع إلى بلدي .
-وابنتك!! ابنتك التي لا تعرف سوى اللغة العبرية ولا تعلم إن كانت يهودية أم عربية مسلمة .
-سأجد طريقة أعيدها بها إلى بلدي
-ها أنت تكرر ( بلدي .......... بلدي ) إذن مازلت تشعر بالانتماء إليها والشوق لها ....... أين كان هذا الانتماء الوطني والشوق وأنت تتركها وتلجأ إلى إسرائيل
-لقد سدت في وجهي كل السبل , وكان هناك صوت يصرخ في داخلي ماذا قدمت لك بلدك لتحرص عليها وعلى العيش فيها .... لم تأخذ منها سوى الفقر و الإهانة
-أنت خائن
-مـ .... ما......ماذا تقول ؟!! ولماذا تتهمني بالخيانة .
-إن مجرد قبولك بالعيش هنا , والزواج بإسرائيلية , وأنت ترى هذا العداء منهم , هو خيانة
- سأحاول التكفير عن أخطائي بإرسال ابنتي إلى مصر لتعيش مع جدها وجدتها وتتعلم اللغة العربية , وتكمل حياتها هناك في أمان وسلام .
-إذن أنت مقتنع الآن بعظم الجرم الذي ارتكبته وأن الأمان والسلام في بلادك
-لقد عشت هنا عشرين عاماً ولم أتعرض لأي مضايقة أو إهانة
-ألم تسأل نفسك كيف بقيت كل هذه المدة دون أن تُضايق هنا
-أنا واثق أنهم لولا استفادتهم مني ما جعلوني أعيش بينهم لحظة واحدة
-والآن ألا تفكر في العودة إلى بلدك ومحاولة البدء من جديد
-لا ..... لا أستطيع العودة , سأبقى في نظر الناس خائناً ....... سألقب باليهودي ... لا .. لا ... أنا لست يهودياً . أنا عربي مسلم ...... لقد اشتقت إلى بلدي , إلى أهلي ... ولكن هيهات , لا ... لا أستطيع العودة .... وأجهش بالبكاء
بعد قليل هدأت نفسه , وبدأ يذكر (سيد) ذلك المواطن المصري البسيط البعيد عن المكر والخداع , مرة أخرى أحس بالشوق إلى بلده والحنين إلى أهله ...... بدأ ينظر إلى ابنته بشيء من الكراهية , فدمها ليس مصرياً ..... وليس عربياً خالصاً , لقد اختلط بدم أمها الإسرائيلية .... شعر بالندم يملؤه من جديد .. تمنى لو أن الزمن يعود إلى الوراء ........ تمنى لو أنه لم يدخل باب السفارة الإسرائيلية ..... وانهار باكياً من جديد , نادماً على ما حصل ولكن بعد ماذا ....... لقد فات أوان الندم... .