ذاكرة حمراء

عماد كامل

العراق- البصرة

[email protected]

جلس في حديقة الأندلس على الكرسي البلاستيكي،ذهب فكره بعيدا وانشغل عن التمتع بالعشب الذي أثنى اخضراره حر البصرة القائض،شرد ذهنه لينقب عما تخفي تلك الثياب الملونة المحشوة باللحم الأنثوي الرقيق والمتنعمة بالرائحة المنبعثة من تلك النساء وكأنهن أغصان أزهار متفتحة،ولكونه خجولا فلم يرفع رأسه المنغمس في غياهب الأفكار وراح يتأمل أثار الكعوب العالية التي تركت ثقوبا كبيرة على الأرض،حسد الأرض على دغدغة الأقدام الأنثوية التي تطأها،تأوه وضرب بيده على فخذه الأيمن ونهض كعجوز هرم..قال في نفسه

اللعنة على عواطفي المجنونة إذ جعلتني كجذوة تحملها الريح من بيدر إلى آخر لتحرق سنابل قلبي..وصرت كعود ثقاب لا يصدر شررا إلا بتحريكه،لقد سكنت في قلبي..وجعلني احمر شفاها أحب كل شيء احمر،حتى الدم صرت الحسه بشراهة جنونية..كنت اشعر إن الناس في سوق القصابين تدوس روحي عندما يدوسون على الدم..الحقد يعتلي في داخلي عندما أرى أمي تقطع الفلفل الأحمر إلى حلقات وكأنها تقطع أوصالي..ولأول مرة اكتشفت إن النار تحب اللون الأحمر..وان المرق الجيد يحمل ذات اللون..لقد صرت في نظر أهلي كأنني اعبد النار..وما زادني احتراقا أغنية العندليب المنبعثة من مقهى السوداني:

نار يا حبيبي نار..نار يا حبيبي نار..نار..نار

أصغيت السمع إلى هذه الأغنية وترحمت على العندليب الذي اعتقد انه فهم المغزى الحقيقي للنار ولذا فأنه يردد تلك الكلمة بتنهيدة تشبه النار..المرأة ذات المعطف الأحمر تلاعب رأس طفلها فتزيد نفسي اشتعالا وتوقظ ذاكرتي الملتهبة..تذكرت النار التي خمدت في نفسي منذ سنين..وعادت لي ذكرى الوردة الحمراء التي علقتها على خصلة من شعرها..وعادت لي ذكرى خلوتي بها..يوم فتحت باب الشقة فبان لي جسمها المتناسق يغلفه معطفها الأحمر..وعلى رمشها العلوي بياضا،وتحت رمشها السفلي اخضرار فاتح،أغمضت عينيها فلم يتبين منها إلا خطا اسود،غمزت في طرف عينها فتلاشت المسافة بين الأرض والسماء..وكعادتها لا يفارق العلكة فمها..العلكة التي يلوكها بياض ناصع ولسان يجوب فمها الصغير..على صدرها الشاهق تبرق الألوان كلما تحرك نهداها..العلكة تتكور في فمها كومة واحدة فتنفخ فيها هواء أنوثتها..اقتربت مني أكثر فرأيت عقدت المرجان الأحمر على شفتيها..تمازج اللسانين فتحولت العلكة إلى فمي وأخذت تروح وتغدو بين فمها وفمي..على جيب صدرها لا تزال عيني تستمتع برؤية السهل الممتد بين الجبلين الشاهقين.. أظافرها الحمراء غاصت في غابة صدري..وبعد لحظات تحولت إلى قطة تتأوه وتتمرغ تحتي.. ماءت بصوت هادئ وكأنها لم تذق ما يسد رمقها منذ أمد بعيد..سال لعابي على رقبتها في حركة دعابية مثيرة..تدحرجت ككرة صغيرة ناحية قدمي..ثم انحنيت على يدي وركبتي وأخذت أحبو صوب وجهها ببطئ..تمثلت في عينيها العسليتين قطة وديعة..أشعرني لهاثها المتلاحق برغبة جامحة..غمرتني بشعرها الهفهاف فأحدث قشعريرة هزت أوصالي..ولأول مرة اشعر إن جسدي ارض قاحلة أفحمها عطش سنين طوال.. استسقيت من رافع نهديها المتلاطم كأمواج البحر..ثم دفنت غرائزي وأشفقت على اللذين يموتون من شدة الظمأ.