قصص قصيرة جداً
جمال الدين الخضيري
سيدة القهقرة
ما بين المساحيق والفساتين تَتَسرمدُ سيدة القهقرة والثرثرة. فعلٌ يتواتر مع انبلاج كل صبح.
ينتظرها كعادته في سيارته. يروغ عن مواعيده. يطير جنونه مناطيد..
غزته فكرة طارئة: لم لا يغتال طول الانتظار بصولة الانصهار في فعل شيء ما؟
في ظرف وجيز، أَلَّف دواوين وعناوين بين ثنايا مقود سيارته. كاد أن يخرج من جلده جذلا.
قرر أن يهدي عمله إلى ملهمته وشيطانة شعره التي تقتسم معه السرير والشخير، والتي لم يَسْعَ قط إلى ملاحقتها في وادي عبقر على غرار الشّعراء والسّعراء.
الرجل المِنجل
يسمى الرجل المنجل لكثرة تأبطه له.
رأيناه مرة يجري تجاه امرأته، يصيح كالملدوغ، ويصرخ في وجهها:
- ناولوني المنجل، أين المنجل أيتها...؟
حاول أن يتجرد من سرواله التقليدي المشدود بعناية حول خصره بحبال وأحزمة عديدة فلم يفلح.
رأيناه تنفرج أساريره، تنفجر مزاريبه، حممٌ تسيل من سيقانه ويقول في هدوء:
- ملعون معقوف هذا المنجل، ملعون مأفون هذا السروال الذي يغلي كالمرجل.
انتحار
لما تلاشت المسارح في بلدي، فوجئ الناس بانتحار الغابات الموحشة منها والمعمورة، تاركة يافطة مكتوب فيها:
- الشجرة التي لا تتحول الى خشبة عقبة.
النؤوم
أشهدكم أني تماديتُ في نومي ولم استيقظ قط باكرا سنينا عددا، فما الفائدة أن أربح العالم إذا ما افرنقعَ عني النوم، وتشبّهتُ بالبوم.
ولما قرأتُ عبارة: "Le monde appartient a ceux qui se lèvent tôt "
تحالفتُ مع هذا اللجوج الذي يسمى الديك مصدقا أن الغُنْم في العتمة. وفي نصف طريقي ضاعت مني محفظة نقودي التي هي كل كنوزي ومخزوني، ولم يظفرْ بها إلا الذي كان نؤوم الضحى.
الرائي المحموم
عندما رأى ما رأى وتوغل في عالم النؤى، اجتاحته بسرعةٍ برقيةٍ مباغتة وفي ومضة واحدة عطسةٌ، وسعلةٌ، وضرطة، اهتزت لها أعطافه، أسالت مخاطه، أوشكت أن تُفلت القلب من نياطه. قال وهو بين اليقظة والنوم:
- أخشى أن تفيض روحي ولا يُؤخذ بثأري، إذا ما تفرق دمي على هذه الجوائح الثلاث.