سطوة غادر

ضياء البرغوثي / فلسطين

[email protected]

راودني احساس غريب في ذلك المساء، لم أكن أعرف سببه . لحظات كانت سيارتنا تصطف كالعادة على مسرب الحاجز الذي تقيمه عصابات بني صهيون . كنا ننتظر دورنا كي يدقق الجندي في هوياتنا ، في سعي حثيث لإعدام كرامتنا على مسارب عنجهيتهم .

انفتح باب السيارة كأنما يهرب من وجه هذا القبيح ، طلب من ثلاثة ركاب يجلسون في المقعد الخلفي هوياتهم . فأخذها وولى فرحا بغنيمته ، ولكنه سرعان ما عاد بالهويات ، ناظرا إليّ بسخرية الضعيف المغرور بسطوة قوته المصطنعة  .طلب مني هويتي وابتعد قليلا ثم ما لبث أن عاد وبيده هويتي التي أخذها منذ قليل . سأل عني فنظرت إليه بحنق وسخرية الضعيف المتسلح بقوة العزيمة والإرادة التي عجزوا عن قهرها . طلب مني النزول من السيارة وقادني إلى مكان قريب حيث برج المراقبة الذي يجثم على أرض فلسطينية ، كبلوني بقطعة بلاستيكية أحاطت بكلتا يدي بقوة شديدة ، وكلما حاولت تخفيف شدتها ازدادت شدة . بعد نصف ساعة جاءت سيارة همر عسكرية ، كان فحيح صوتها يأكل من جسدي المكبل . قادني الجنود إلى الهمر ورموني على مقعد في الهمر وبدأ يصرخ معلنا الرحيل بعد رحلة الصيد هذه . كان المجهول يقتلني ، كلما فكرت في الآتي . ما الذي سيجري ؟ ماذا سيحدث ؟ إلى أي جهنم سيأخذونني ؟ كنت قد أعددت مسبقا صورة عن السجن ، إلا أن الواقع يبقى بعيدا عن التصور والوصف .

بعد أن اجتاحتني خواطر وأفكار كثيرة ، أخذتني بعيدا في تصور ما سيحدث ، توقف الهمر عن النباح ، سحبني الجنود من الجيب مكبل اليدين وعصوب العينين واقتادوني إلى مكان مجهول بالنسبة لي لأنني لا أرى . بعد لحظات كنت أقف أمام جندي يمتهن إهدار كرامة الرجال ، أو هكذا يخيل له . طلب مني أن أخرج كل ما معي من أشياء وأن أضعها على الطاولة أمامه . أخذ أشيائي جميعها بعد أن أخذوا حريتي . وضعها في كيس خاص بالأمانات ، واقتادني إلى مكان آخر ، سرعان ما تكشف لي عندما رأيت أسرى الحرية يجوبون ساحة قسم السجن . انفتح الباب وابتلعني ، وغبت في ظلام السجن الذي لا ينقشع.