وجهان
وجهان
د.حنان فاروق
http://fisabeelellah.maktoobblog.com
لم تكن ليلى قد أنهت مهماتها المنزلية اليومية التى تقطعها إرباً فى محاولات مكوكية لإنجازها على الوجه الأكمل حين جلست منى تنتظرها بلهفة لتضع لها خطة اليوم..فمنى لا تستطيع التحرك خطوة واحدة دون تخطيط مسبق من ليلى..أقنعت نفسها مؤقتاً أنها تحبها ربما لأنها تشبهها بعض الشيء..لم تحاول أن تسأل نفسها فى أى وقت من الأوقات لماذا هى مضطرة لانتظار أوامر وتوجيهات ليلى.. فقط تسمع وتطبق وتنفذ بالحرف مايملى عليها.. بيد أن ليلى هى التى شغلها الأمر وتساءلت مراراً: لماذا لاتبذل منى أى محاولة للتحرر منها ونفض استسلامها اللانهائي و غير المشروط لها..هل هي بالفعل راضية أم أنها تظهر غير ماتبطن؟؟..
انحصرت مشكلة ليلى الأساسية في أنها لم تستطع النفاذ الكامل إلى داخل منى لتطمئن إلى طريقة تحريكها لها وتعرف ردة فعلها الحقيقية تجاه الأمر..لم تكن قاسية ولا صارمة بالمعنى المفهوم لكن انشغالها الدائم والضاغط أضفى عليها مظاهر الحدة دون أن تشعر أو تقصد..أما منى فقد تركز همها فى إرضاء ليلى بغض النظر عن أى شىء.. سألت نفسها مراراً: هل أحبها حقيقة؟؟..لم تأتها إجابة أكيدة ..فليلى لم تعطها أى فرصة اقتراب حقيقي منها..كانت متقلبة المزاج والمشاعر..تجلس إليها لتعد لها خطة العمل اليومي منفرجة الأسارير وما أن يحدث مايقطع عليها حبل أفكارها حتى تنقلب إلى أخرى غضوب ناقمة نافذة الصبر تكاد تعصف بالغرفة بما فيها ..وفى لحظة واحدة تقلب كل الموازين وتغير كل التوجيهات دون أن تعطى أحداً فرصة حوار أو مساحة تفاهم أو اعتراض.. فيتراكم الألم والحزن فى نفس منى من غير أن تسمح لنفسها بالإفصاح..بيد أن اليوم كان أصعب ما مر بالمرأتين على حد سواء.. فقد انفعلت ليلى انفعالاً مدوياً بمجرد أن اختلت بمنى فى نهاية اليوم..لم تكن ثورتها عادية ..بل انفجرت كوابل وسلسلة من القنابل الحارقة.. الشيء الذى أثار حفيظة صاحبتها و قلقها على مصيرها وعلى استمراريتهما معاً..لم تفعل منى بحق-من وجهة نظرها- أى شيء يثير كل تلك الزوبعة التي اختتمتها ليلى وهى فى قمة العصبية والغضب بمفاجأة ليست فى الحسبان حين أخبرتها أنها لم تعدقادرة على تحمل مسؤوليتها وأن عليها أن تتحرك دون أن تنتظرها لأنها مطحونة بين مسؤوليات عملها وبيتها وأبنائها..ولم يعد لديها وقت لأى أحد إضافي بعد الآن..وعلى منى أن تبحث عن آخر يعتني بأمرها إذ لم يعد لها مكان وسط دوامات ليلى..
انفجرت منى بالبكاء ..ثم صرخت:
من أتى بي إلى هنا؟؟؟ألست أنت؟؟من الذى عودنى الاعتماد عليه..وزين لي الحلم حتى رأيته واقعاً..أالآن لا تريديننى؟؟؟ ..لا..أنت التى بحاجة إليّ..لا أنا..
وقفت ليلى مشدوهة..فاغرة فاهاً.. لم تستطع الرد..اضطربت أمامها صورة منى الطيعة التى كبرت على يديها وعينها ولم تجرؤ في أى وقت من أوقات حياتهما معاً أن تنطق حرفاً بدون إذنها سألت نفسها: هل بالفعل تمتلك هذا القدر من المشاعر الدفاقة والغضب العارم..والقدرة على المواجهة؟؟
بادرتها: لماذا لم تعلنى عن نفسك طيلة الوقت إذن؟؟؟لماذا تركتينى أتحكم فيك وأنت تستطيعين التصرف في أمورك وإدارة حياتك..؟؟؟
ردت منى: أنا الملومة إذن؟؟؟
تمنيت أن أكون متنفساً لمشاعرك وأحلامك المكبوتة..بيد أنى صدمت فيك ..صدمت بكل ماتحمله الكلمة من معنى حين وجدتك على استعداد حقيقيّ للبيع!!!
لا..ليس من حقك أن تبيعيني وتلقي بي إلى ظلمة المجهول..كما جئت بي إلى هنا وأنا بعد جاهلة لا أدري شيئاً عن الدنيا فعليك إكمال مسيرتى..إن كان الجميع ذوى أهمية بالنسبة لك فأنا الساعة الأهم..وأنا التى سأوجهك لا أنت..فأنا تلميذتك..
ابتسمت ليلى رغم صراخ منى وغضبها.. كانت تشعر بالسعادة وهى ترى منى السلبية المستسلمة تخلع سلبيتهاوتتكلم وتناقش وتصيح وتتخذ قراراتها..إنها إذن حقيقة لا خيال..
لأول مرة تركت ليلى نفسها تماماًً ..استسلمت لأفكارها..وأسلمت منى دفة الأمور لتضع خططها بنفسها دون أن تقاطعها أو تعدل مساراتها .. فضلت أن تتبادل الدور معها لتكتشفها وتسبر أغوارها الغامضة..أخذت تستمع بشغف لرفيقتها وهي تسرد مشاعرها وانفعالاتها وأحلامها وآمالها بل وحتى إحباطاتها وفشلها..شعرت أنها تراها وتجلس معها لأول مرة ..تتفاعل وتنفعل من دون حواجز ولا أسوار..أخذهما الحوار لساعات وساعات لم تفق فيها إلا وهي تكتب كلمة:
النهاية
وصوت زوجها يأتيها من الغرفة المجاورة: ليلى...كفاك كتابة...بالله عليك أريد فنجاناً من الشاى فرأسي تؤلمني..
ردت: حاضر..حالاً يكون جاهزاً...