وغصت الروح بالذهول

زياد خدّاش

خلفي ترتمي برضاها المطمئن الاخرق الاشجار والغيوم والبيوت، مطر واهن يسقط، ريح ثقيلة شمطاء تتهيأ لانفجارتها الهوجاء ، الشارع البليل الواسع امامي في المدينة الصغيرة خال تماماً من العربات والمارة ، ثمة شئ مخيف سيحدث هذه الليلة هكذا انا متورط دائماً في فن التنبؤ المتوحش بالكوارث وامتلك العين والاذن الثالثة.

صديقي زياد: حين درست التصوف في الجامعة كنت ارغب بشدة ان اعيش تجربة الموت ، احسني احيا مع الامموات، اتحدث لغتهم، اصبح الموت هو هاجس نهاراتي وليالي الوحيد ، حتى الحب في اشعاري صار وجهاًاخر للموت او لعلهما يندغمان حتى يغدوان شيئاً متآلفاً، يا الهي ما الذي اهذي به !! احسني امرأة اخرى هذه الايام>> . وحيداًاقود عربتي القديمة المهترئة في الليل الصموت الذي يفتعل الامان وينتحل السلام ، متأخرة كانت الساعة ، صداع وحشي يعشش في اعصابي ، ينخر مخيلتي، يتلف اطرافي، آه علي ان اتوقف هنا لبعض الوقت بالقرب من شجرة السرو الوحيدة المترنحة المنطوية على خوائها الضاري واخضرارها المقتول ، علي ان ارتب اوراق ذاكرتي المختلطة والملم مزق اشيائي المبعثرة واواصل طريقي الغامض كبحار بائس فقد حكمة الاتجاهات ، غيوم سوداء تتدافع سكرى بمناكبها الهلامية في السماء، صمت مدو تضج به شوارع المدينة الصغيرة ، حيوان في داخلي احمق ومريض، يتململ ، يعوي،ينزف المخاوف والاشواق والاسئلة.

ما رأيك ان نتحايل على الموت، فلا نصل ابداً الى الاكتمال ، لنكن اقل بهاءً،اقل دهشة اقل جمالاً، اعرف ان هذا لن يروق لنا ، لأن الروح فينا تطمح الى الأكثر دهشة وجمالاً وبهاءً، الى الأكثر موتاً، عذراً صديقي المتعب ان كنت لا اكتب لك اشياء جميلة ، فالموت هو فكرة حياتي الجميلة الوحيدة، اريده هذا الموت، اريد ان اسعى اليه بقدمي، سأذهب اليه ، اطرق بابه بأصابع الظمأ واللهفة، اقدم له روحي على طبق من مرح

كنت امشي معها، اه معها كنت امشي، ببطء الخاسرين الحائرين وفزع المنحدرين الى هاوية في شارع المدينة الطويل غير مكترثين لتحذيرات السماء وهي تتوعدنا بطرقات موحلة، سقوف دالفة، نوافذ مهشمة غير قابلة للجبر،تدفعنا الرياح من الخلف تطوح بكلماتنا ومعاطفنا، وفجأة نصحو على خطونا المتناثر وقد توغل بنا عميقاً في ادغال لعبة جنون بلهاء، اراها تتوسد الان فخذي في زاوية شعثاء من بيت قديم متداع مهجور بلا سقف، اراني أمسد بأصابعي المبلولة جسارتها المتراجعة المرتعشة واسوي ارتباكات جلدها المقرور، واربت بعيوني اختناقات نظراتها وتهدل ابتسامتها.

قالت: العاصفة خلفنا والضباب امامنا ، ما العمل ايها الرجل السادر في هشيمه؟

قلت: دعينا نناقش جذور المسألة ، من انت؟ومن انا؟ وماذا نفعل في هذا المكان؟

قالت: هيا نفكر بطريقة آمنة مختصرة لوضع الحروف على النقاط.

قلت: تجربة " جان جينية" تسيطر علي هذه الايام، اراني اخطط ليلا على الورق والجدران، مشاريع تدمير مخيفة، اصحو فجراً على يدي واسناني وهي تمزق الملاءات والملابس، والوسائد ورسائل الاصدقاء وباقات الورد، والكتب، والمرايا واشرطة الموسيقى الهادئة، وصور الاباء والاجداد والاخوة المعلقة على الجدران، والاوسمة الفضية، التي منحت لأبي تقديراً لتفانيه في التدريس.

 آه كم اشتهي لو اتعرف على مجرم سفاح، لعلي استطيع ان اعرف كيف عايش الموت، وخالط لحظات الحياة الاخيرة، لماذا لا اختصر الطريق وامارس القتل بنفسي، عندئذ سأكتب عن الموت اشياء جميلة، ذلك انني عايشت التجربة ، لماذا تبدو خائفا يا صديقي المتعب؟ اطمئن لن يكون باستطاعة القتيل ان يكون قاتلاً، ذلك امر يحتاج على الاقل بعض الوقت>>.

وحيداً في الظلام الراسخ اقف ممزق الرؤى ، بجانب شجرة السرو الوحيدة المترنحة، أبفعل الريح تترنح هذه الشجرة اليتيمة، التي تنتصب بذل مفضوح عند طرف احد الحقول البائرة المهجورة بمحاذاة الشارع ؟ ام بفعل تضور الروح وظمأ الجذور ؟ لم استطع الاجابة ، وبذلك يضاف هذا السؤال الى حزمة الاسئلة الكثيرة الحارقة التي يجيش بها دمي وتكتوي عظامي.

الضباب المتكاثف الجهم يهبط على الارض هائل الاكتاف ، فظ التنفس، رجيم الابتسام ، مبتلعاً الشوارع والبيوت والشجرة اليتيمة وانا وكل شئ كل شئ، قبر أبي لا يبعد عن قبر امي سوى عدة امتار وفي كل مرة كنت ازورهما فيها كنت اشعر ان القبرين يتباعدان عن بعضهما البعض وعندما سألت امي عن ذلك قالت لي: شعورك صحيح يا بني فشخير ابيك وضراطة لا يجعلاني انام تماماً كما ايام الحياة الدنيا ،لذلك اضطررت مراراً للنهوض ليلاً بتواطؤ وتضامن احد الملائكة الطيبين لحفر قبور جديدة مجاورة، اما ابي ذو القامة المديدة والابتسامة الساحرة فقد قال لي والدموع تترقرق في صوته: هذا الموضوع لا يستاهل غضبي او استيائي ، فالوحدة هنا قاتلة لا احد يزور احداً لا ضحكات حولنا لا اصوات باعة، لا كركرة اطفال، لا خرير مياه، لا فناجين قهوة ، الموت قاس يا بني، الموت قاس. << لا ادري لماذا هذا التشوق للموت،هل هو الرغبة في امتلاك المطلق ؟ لماذا نسعى نحو تخوم المطلق ؟ احتى تتشبع حواسنا وتاخذ مشاعرنا حدها النهائي احتى تكتمل الرؤى ؟ اجبني يا صديق اسئلتي وحرائق روحي , ترى ذلك هل ستكون الاشياء جميلة , ام ان جمالها في نقصها ؟ يعني ببساطة لماذا نحب الذين نحنهم الاننا ببساطة لم نتشبع بهم؟ الانه بقيت لدينا رغبات مجنونة عطشى؟ هل تفهمي ايها الرجل ياسيد التعب و الاوهام والطرق القفلة ؟ اللعنة الم يقل انني لابد يوما ان امتلك الحقيقة في روح وفي جسد , "رامبو " المجنون سعى الى الموت دوماً ليكتمل، ليكون، لتتشبع حواسه فلا يجوع ولا يعرى ، وحين تتعمق علاقتي معك ونغدو اصدقاء جميلين حين تكتمل المشاعر وتضيع اللغة عندئذ سأفتقدك سيموت شئ بيننا ، فنعود لنمارس العادي مع احساس مروع بالانكسار والضياع، اعرف الان اني سأفتقدك لا محالة تماماً كما فقدت الكثيرين، ليس لانهم ليسو رائعين بل لانهم كذلك، وصلنا الى الذروة الى الاكتمال فكان لا بد من الموت، ارجوك افهمني واهمس في اذني : انت على حق، انت على حق>>. هل آن او ان العودة الى البيت؟ من سيفتح لي باب غرفتي؟ سكان بيتي نيام،والرياح ستخنق صوتي إن صرخت عليهم، ولا مفتاح معي آه لا مفتاح، لا مفتاح.

 

يداي تتشبثان بالمقود، قدمي على الفرامل، عيناي المنهكتان تبحثان عن منافذ للرؤية وسط الضباب , ببطء اسير وبندم ورعب ايضاً، فجأة شعرت بعجلات العربة تصطدم بحجارة وتتوقف، اصابني ذهول، اذ المفروض انني اسير باتجاه معهود طالما عدت منه الى البيت في الليالي المعتمة الضبابية، هبطت من العربة، فاذا بي اصل لنهاية شارع معبد طويل يسلم بصورة غير مبررة لحقل غريب ممتلئ بالضباب والعتمة واصوات غامضة، هي مزيج من الضحكات والنداءات والاستغاثات، عدت الى العربة، قدتها باتجاه اخر بعد ان اقنعت نفسي مرتعشاً بأنني ضللت الطريق الشارع الجديد مليء بالمطبات لكنه يبدو مسالماً وحنوناً، المفاجأت كانت مشابهة تماماً اذ سرعان ما سلمت للحقل الغامض المعتم ولكن من طرف اخر، يا الهي ما الذي يحدث لي؟ هل اطرق باب احد البيوت واسأل سكانه عما يجري في المدينة؟ حاولت طريقاً اخر معبداً وطويلاً فإذا به يتخلى عني ويهرب كسابقيه خائناً متراجعاً امام سطوة الحقل المرعب، رأيتها فجأة تبزغ بصعوبة بالغة من طيات الضباب متجهة نحوي بخطو مكسور وذاو؟، تحاول ان تركض لكنها تتعثر وتسقط، لا ادري اكانت تبتسم ام تستعد تقاطيعها للنحيب، توقفت امام زجاج العربة الامامي، الان اراها بوضوح، صديقة الاسئلة والجنون والرحيل، كانت تبتسم، تشير لي بيدها لأن اخرج من العربة واتبعها باتجاه الحقل المعتم المرعب، رأيتني اهبط من العربة ممتلئاً نشوة وفضولاً واسرع نحوها، اغرقتني بالقبلات، امسكت يدي، قادتني باتجاه الحقل وعند حافة الشارع المرتفعة قليلاً والحادة وقبل ان نخطو، اقتربت من وجهي وهمست: جهز جناحيك ايها الرجل السادر في هشيمه، وقبل ان احرك جناحي لاختبر صلابتهما سمعت اصوات اشخاص ليست غريبة عني قادمة متهدجة من جوف الحقل، كان ابي وامي ومعهما جمع من العراة شاحبي الوجوه يقفون امامي هلعين يلطمون وجوههم، يصيحون في وجهي والقزع يتطاير من نظراتهم وعظامهم الصفراء: - عد الى البيت عد الى البيت، نظرت الى صديقتي ، فإذا بها تقترب وتهمس في اذني بصوت كالفحيح: هؤلاء هم اعداؤنا، تقدم، ولتشحذ جناحيك وتضرب بصيحاتهم عرض الضباب، وبينما كنت انقل الطرف المرعوب الحائر المشروخ بين صيحات امي وابي والجمع العاري وبين ابتسامة صديقتي المغوية القوية العميقة، كانت روحي الغضة الصغيرة قد غصت بالذهول .

وحده وحده تماما

أخوه وأخته في بيت الدرج، يحتاجان إطلالاته المستمرة، لإعادة ترتيب فراشهما، للربت على اكتافهما الهشة. أخوه وأخته يمتلكان أسماء كباقي البشر، هي في أوائل العشرين وهو في آخرها. حياتها هي متوقفة على قلم ودفتر، تضغط على القلم وتسافر مع خطوطه المنحنية والمشتبكة والمنقطعة، ولا تصل إلى أي مكان أبداً، حياته هو متوقفة على مسدسات وهميه يصنعها بيديه ويطلق رصاصها على الجدران والسماء والجيران. بجوار بيت الدرج يقيم هو في غرفة صغيرة، أمه وأبوه نائمان الآن في غرفتهما السفلية، مستلق على فراشه ولا أصوات، الليل مستلق على العالم، قبل لحظات سحق بمكنسة عقربين أسودين متوسطي الحجم، راقبهما يتسللان من تحت الباب، تسلقا الجدار وتجمدا هناك بجانب الستارة القذرة البيضاء، قبل ثلاثة أيام قتل فأرين اختبئا في أدراج مكتبته، واقتاتا على بضع صفحات من جواز سفره وعلى شهادة ميلاده، وعلى مسودات قصائده، أخته وأخوه نائمان بعمق، ليته يستطيع ملامسة هذا العمق، نومه خفيف ومتقطع، فأخته وأخوه بحاجة لإطلالات كثيرة، هما بانتظاره دائما ليقول لهما همساً: لا بأس، لا بأس فأنا هنا، أنا هنا.

مستلقياً على ظهره يفكر في بقايا جواز سفره وقصائده وشهادة ميلاده، متكئاً على هزائمه يصغي إلى أنفاس أخته وأخيه، ويهمس لنفسه، لا بأس، لا بأس، فأنا هنا، أنا هنا. كم يود لو يخرج الآن من غرفته ويتوغل في تفاصيل الجبل المجاور، ويذوب في كهوفه ووديانه وحقوله وصخوره. غرفته تجاور جبلاً يشبه مؤخرة امرأة لن يستطيع ذكر اسمها لئلا يتعرض للطرد فهي تدير مؤسسة يعمل هو في صحيفتها محرراً لغويا. منطوياً علي نفسه يجلس هناك في مكتب مجاور لمكتبها، يعيد صياغة الجمل والتعابير. تمر هي بين الحين والآخر أمام مكتبه، فيقول في سره: آه لو تعطيني هذه المرأة فرصة صغيرة لإعادة صياغة مؤخرتها كما تشتهي ظلماتي، ليت هذه المرأة نصاً ألعب به كما ألعب بنصوص جريدتها. كتب مرة قصيدة سرية لم ينشرها بعد: مؤخرتك يا سيدة رزقي أجمل خطأ إملائي والأجمل منه قابليته للتصحيح فقط بباطن كفي. ذهبت قصائده التي تبرهن على اختلافه مع العالم. فأر صغير أضاع نزيف ليال طويلة بقرضة أسنان قذرة. صامت بيت الدرج الآن كما الأشياء كلها، كما هو. نهض عن سريره يهم بالخروج، لكن أصواتا غريبة صادرة من بيت الدرج استوقفته، أصوات يسمعها لأول مرة، أصوات لا تشبه أصوات أخيه وأخته حين يناديان عليه طلباً لماء أو رعباً من ظلمة، كأنه يحلم هذه الأصوات، كأنه يتوهمها! لا، لا، الأصوات حقيقية، خليط هي من أنين وخوف ونداء ورعب وفرح وبكاء وغضب، أطل من ثقب الباب على بيت الدرج؛ عتمة عمياء، يكسرها ضوء سكران لقمر مريض يتجول بالجوار،أخوه وأخته ليسا في مكانهما، أين ذهبا؟ هل هبطا إلى الأم بعد أن يئسا من حضوري؟

فتح الباب بهدوء ومن شق صغير استطاع أن يرى المشهد كاملاً؛ أخته نائمة فوق أخيه بطنا على بطن، أخته تضغط بقوة جسدها الممتلئ بجسد أخيها النحيل. الأخ متفاجئ تماماً ولكنه سعيد ولا يعرف لماذا، والأخت متفاجئة ولا تعرف كيف تتوقف أو لا تريد. وهو مذهول، مذهول، ولا يعرف كيف يتصرف. الأصوات تزداد توحشاً. أخوه يضغط بيديه البلهاوين على ظهر أخته وعلى ردفيها، أخته تشهق، كأنها تموت. الأخت تضغط وتضغط، والأخ يحفر ظهرها شبه العاري، أحس برغبة في أن يقول لهما: لا بأس، لا بأس فأنا هنا، أنا هنا. الأخ والأخت شبه عاريين الآن، وأصواتهما تتعالى عنيفة وباكية ومستغربة، هل يهجم عليهما ويفكهما عن بعضهما البعض؟

هل يشتمهما؟ يصفعهما؟

لماذا لا يتركهما فهما مبتهجان؟

ولكن كيف يتركهما يواصلان هذا الجنون، فهما لا يدريان، هما لا يدريان؟

هل يعود إلى فراشه ويدفن رأسه في وسادته ذات القطن المنفوش ويبكي بصمت؟

هل يهرب إلي الجبل؟ ولا يعود أبداً؟

يندس في أمعاء كهف ويتحول إلى سحلية أو عنكبوت،

ظل جالساً خلف الباب، يراقب رعب المشهد بعينين مغمضتين.هدأت الأصوات وانطفأ الحريق. هما بحاجة إليه الآن حتى يعيد ترتيب فراشهما والربت على أكتافهما والقول: لا بأس أنا هنا أنا هنا. يداه تفتحان الباب. خطا في الظلمة الخفيفة خطوتين مرتبكتين، كمن هناك في زاوية بيت الدرج اليسرى. لم ير شيئاً. سمع أصواتا فقط، مخنوقة كأصوات صحراء متورطة بوحوشها، وزوابع رملها. أحس بشيء يتسلق ساعده، ابتسم، هل هو العقرب؟ الشيء يتجه نحو عنقه وربما وجهه. وقف العقرب على رموشه، تجمد هناك. كان يريد أن يبكي. لم يستطع. كان بإمكانه أن يزيحه بيده ويسحقه بقدمه، لم يفعل، تخيل شعور العقرب وهو يقف على رموشه. رموشي قد تكون الجبل بالنسبة له، والكهف عينيّ.

عاد الى فراشه. اختفى العقرب. هل سينام الآن بهدوء؟

غرفته تجاور جبلاً بكهوف وصخور ووديان.

حافياً مشى الى الجبل،

وحده بلا قصائد، بلا شهادة ميلاد، بلا إخوة

وحده، وحده تماماً

عند السفح نظر طويلاً الى قمة الجبل.

قبل قمته بأمتار، فتح كهف فمه على مصراعيه، كأنه يناديه، كأنه يحبه،

تسلق الجبل بطاقة لم يعرفها فيه من قبل. عال وبعيد هو كهف ما قبل القمة بقليل. الشمس تحرق وجهه، والعرق يتسايل من عينيه. في اللحظات الأخيرة التي سبقت وصوله، أطل عقرب كبير أسود من طرف الكهف. خلف العقرب أخته وأخوه عاريان، يتعانقان بوحشية. الآن هو أمام الكهف راكعا ولاهثا. ظلام دامس، لكنه لا يعرف كيف رأى جدته الشقراء تلحس بلسانها الناشف والقديم مؤخرة بائع خضار متجول وبدين. صديقه الحميم يدخل يده كلها في فرج حبيبته المبلول. مديرة المؤسسة تحشو فئرانا في فرجها العتيق المنكمش على زهو مضحك. رجال إطفاء يتقلبون عراة وضاحكين فوق أطفال خطفوهم من دار حضانة مجاورة. كلاب شرسة تتناوب على فروج زميلاته في الجامعة لحسا وشما. مدرس الرياضة الذي علمه قبل سنين بعيدة يطلق النار على تلاميذ الصف الرابع لأنهم لم يفوزوا بمباراة كرة قدم مع مدرسة أخرى. جلبة غريبة مختلطة تأتي من أقاصي الكهف. صراخ، ضحكات، استغاثات، همسات. واصل تقدمه في العتمة الفظيعة. يبدو انه يتجه صوب الجلبة. أخته تضغط وتضغط، وأخوه يحفر ويحفر. سقف الكهف يمطر دما ورملا، جدرانه ترشح منيا. عقارب بين قدميه، وأفاع رقطاء تتطاير من فم سائق باص المخيم، وهو يشتم المارة والوطن والنساء!

تقدم عميقا داخل الكهف، لا يعرف الى أين سيصل، وما هو دوره،؟

سمع صوتاً عميقاً يقول له: لا بأس، لا بأس أنا هنا، أنا هنا.