مملكة العجائب
قصة: نزار ب. الزين
*
برج عالٍ يلفت نظري ...
أقترب منه ،
أقترب أكثر؛
أنا الآن بجوار البوابة الرئيسية ...
الحراس الأشداء لا يكتشفون وجودي ،
أتجرأ فأدخل بخطىً حذرة .
ألوف مؤلفة من المخلوقات تتحرك في كل إتجاه ...
أنفاق و دهاليز و شوارع عريضة أو ضيقة ، يتجه بعضها نحو الطبقات الدنيا في
الأعماق و يتجه البعض الآخر نحو الطبقات العليا .
يزداد فضولي ، أحاول أن اسأل ، لا أحد يستجيب لتساؤلاتي ، لا أحد ينتبه إلى
وجودي ، يصيبني الإرتباك ، تعتريني الدهشة ، و لكنني أتماسك و أبدأ بتركيز
إنتباهي !..
* * * * *
أتوجه بداية نحو الطبقات العليا
طبقة لثكنات الجند ،
تليها عدة طبقات يبدو أنها مزارع لتربية الفطر و أخرى لتربية الحشرات الداجنة ،
حشرات عمياء تقوم المخلوقات إياها بتوجيهها نحو الغذاء أو تغذي بعضها فما لفم ،
و تتناوب مخلوقات أخرى على حمايتها ، كما تقوم مجموعة ثالثة باستحلابها في
إصطبلات تقع على الأطراف !
أعلى طابق بان لي – بداية - فارغا بلا هدف ، و لكن ما أن تنبهت إلى وجود فتحات
صغيرة في سقفه و أخرى محفورة في جدارنه حتى أدركت أن هذا الطابق إن هو إلا رئة
البرج ؛ فهو مخصص للتهوية ، حيث تتصل فتحات الجدران بأنفاق ضيقة تحيط ببناء
المملكة كله من الداخل ، بينما تسمح فتحات السقف بدخول الأكسيجين و خروج
الكربون المؤكسد ! ...
* * * * *
عدت أدراجي باتجاه الأسفل...
ألوف من العاملات يخرجن في طابور منتظم خاليات الوفاض من البوابة الرئيسية ، و
ألوف أخرى منهن يدخلن حاملات للمؤن و مستلزمات العيش المختلفة ، تتوجه كل
مجموعة منهن نحو إحدى حجرات الطبقات السفلى لتخزينها و رصها هناك .
و في الطبقة السابعة تحت الأرض ، يلفت نظري كثرة الحرس بجوار أحد المداخل ؛
أتسلل إلى داخل الحجرة ...
يا لعجيب ما أرى !
إنها أنثى عملاقة ...لها نفس شكل مخلوقات المملكة الأخرى ، و لكن بطنها منتفخ
كفقاعة ضخمة ، تحيط بها عاملات من كل صوب ، و كأنهن واقفات بانتظار حدث ما ..
فجأة تدب الحركة بينهن ...
فقد لفظت جلالتها كرة جديدة بيضاء ، ثم ما لبثت إثنتان من العاملات أن تعاونتا
على حملها و الخروج بها من القاعة الملكية ...
تبعتهما ، فقادتاني – دون أن تشعرا – إلى حجرة رطبة مظلمة ، ما لبثت أن اكتشفت
فيها عشرات من الكرات المماثلة ، و قد انتشرت بينها بعض العاملات بَدَوْنَ
منهمكات بتقليبها أو تنظيفها .
هبطت طبقة أخرى ، و سرعانما تبين لي أنها مخصصة لتنشئة الصغار و العناية بهم .
* * * * *
و على حين غرة ، يدب نشاط غير عادي ، تُهرع العاملات إلى إغلاق أبواب الحجرات
كلها ، حجرات التخزين و حجرات الإباضة و حجرات التنشئة ، ثم يتوجهن إلى أعلى ..
<< لا بد أن أمرا ما بالغ الأهمية قد حدث >> قلت ذلك في سري ، ثم تبعت خطاهن
.....
و قرب البوابة الرئيسية ، بدا لي ما يشبه الإستنفار ...
الجنود – إناثا و ذكورا – هبطوا من ثكناتهم ..
ثم ما لبثوا جميعا أن إندفعوا خارج البرج في صفوف متراصة ..
* * * * *
خرجت أستطلع الأمر ...
يا للكارثة ...المملكة تتعرض للغزو ..العدو من ذوي الأطراف الثمانية ..
بدا هائل الحجم كجبل متحرك ، ينفث سمومه في كل اتجاه ؛ يتجندل الجند ، يشلهم
السم ، ثم يمتد لسانه فيلتهمهم ...
يهاجمه ألوف الجند بشجاعة نادرة و إصرار ، غير هيابين أو آبهين لمئات الإصابات
، تدب بي الحميّة فأجد نفسي مشاركا في الهجوم غير هياب ؛ يفلح البعض بتسلق
أطراف العدو ، يبلغ البعض صدره ، يتوجه البعض نحو رأسه ، يبدأ الجميع بلثغه في
كل موضع من جسده ، نافثين في جسده الضخم سمومهم ، قليلة الكم هي و لكنها
فعالة...!
قاذفات من طراز دبور 16 و قاذفات أخرى من طراز الغراب الشبح ، و حوامات من طراز
النحلة أباتشي ، تلقي على الحشود آلاف القنابل الكيماوية من كل الأوزان ، يصاب
الكثيرون من جند المملكة بالشلل ؛ إلا أن الآخرين لا يأبهون و يستمرون بالقتل
*مغترب يعيش في الولايات المتحدة من أصل سوري