(ثلاث رؤى مختلفة)
(ثلاث رؤى مختلفة)
فاطمة المزروعي
* الرؤيا الأولى - الجريدة
عينان تتحركان، تنظران إلى عناوين الجريدة، العينان يعلوهما حاجبان مقوسان، غليظان، يبدوان غير مرتبان، وتحتهما أنف طويل، عليه شعيرات خفيفة، وبجانبهما خدين جافين، يتوسط الوجه، فم كبير، وشفتين غليظتين، بينهما سيجارة، ينفث دخانها بروتينية..
بجواره طاولة مدورة، تبدو مصنوعة من خشب السنديان القديم، لديها ساق واحدة، يعلوها مفرش أبيض، يبدو لونه قديما، مطرز بوردات ذهبية اللون، في جهة اليسار كانت هناك علبة سجائر من النوع الرخيص، مفتوحة، وبجوارها ولاعة، شفافة اللون، يبدو الماء الذي بداخلها ثابتا، ومن جهة اليمين فنجان، رسمت عليه مربعات صغيرة خضراء، توزعت بطريقة عشوائية، يبدو خاليا، وقد علقت بقايا القهوة على حوافه، وهناك بجوار الفنجان كانت أوراق كثيرة، ربما لرواية مكتوبة بلون أزرق باهت، وعليها بقع بنية خفيفة، تبدو وكأنها قهوة..
وعلى الأرض، بجوار الطاولة، أوراق ممزقة، متناثرة..
وفي وسط الشقة، كانت هناك نافذة، حوافها بيضاء، يبدو زجاجها متسخا، مغبرا، كتبت عليه حرفان، تلاصقا في بعضهما البعض عن عمد، تعلوهما ستارة، قماشها شفاف، وهناك في الأعلى، عند نهايات الستارة، كان عنكبوتُ قد بنى له بيتاً صغيراً، يتحرك فيه مثلما يشاء.
وبجوار النافذة، مقعد كبير، وعليه ملابس متسخة، أحدهما مفروش على الأرض، بدون أزرار، تتحرك العينان، ترمقان المكان، ثم تعودان للجريدة.
*الرؤيا الثانية - المرآة
شارع طويل، على جانبيه يمتد شريط يبدو وكأن لا نهاية له من أشجار النخل، تتحرك في صمت، نظراتها تتجه إلى حذائها المهترئ، تعدل من وضع الغطاء على رأسها، تخفي خصلاتها الناعمة، تحضن كتبها إلى صدرها، تتمتم في توتر، بكلمات متقطعة، تردد ما حفظته طيلة الليل، ببساطة تفتح حقيبتها، تخرج مرآتها المدورة ذات الإطار الأسود، تنظر فيها بإمعان، تنفخ في انزعاج، تتضايق من الانتفاخ الذي تحت عينيها، تعيد مرآتها لحقيبتها، تسير بخطوات واثقة نحو الطريق الممتد بلا نهاية.
*الرؤيا الثالثة: انعكاس مشهد
علبة صفيح، قديمة، لا تعرف ظهرها من وجهها، ممسوحة البيانات، تدفعها الريح بنعومة وسط دوامة هواء، مع كومة أوراق، بعضها ممزق والآخر يبدو سليما، الشارع خاليا، صفير الرياح يرتفع بتقطعات مختلفة، يضرب النوافذ، يطل وجه مراهقة،بدأت ملامح الأنوثة تظهر فيه بشرة متوردة ونهود صغيرة تجاهد في النمو وأرداف بدأت في الاستدارة، تتطاير رائحتها مع ذرات الرياح، تبدو ساهمة، وبيدها رسالة، تحضنها لصدرها، تهمس لنفسها بشوق، تعود الرياح إلى رحلتها المعتادة، حاملة معها كل ما تراه..