مرثية الليل
أحمد بن قريش
جبل طاقة
كانت الريح تعصف من حين لآخر و بالغابة المقابلة - شجر الأرز- تظهر ببعض الأماكن شظايا نورانية أرجوانية لامعة طويلة.
-أين جبلي أنا؟
-هناك...هناك, قالها أحد الحاملين, سوف نصل إلى السهل…الجبل…المدينة…
-لا تكلمه, نصحه رفيقه,كان هذا الأخير يحمل البنادق الثلاثة وكيس وكانت رجلاه حافيتان.
-مازال دمه يسيل…
-سوف نتوقف…سنضمد جروحه ... بعد اجتياز النهر…
-إني ميت, قالها الجريح…
-لا تكلمه !
عصفت الريح بقوة مرة أخرى بين الأغصان. أضيء جانب من الغابة. طقطقت شجرة بضعف.
-الإكليل أهو روماني, سأل الجريح.
كان الآخران يمسكان عن الكلام. فالثلث يبتعدون، الآن، من دوي القصف، بعد أقل من ساعتين سيطلع النهار وكان عليهم اجتياز الواد كلّه.
-نحن في لحوجبات، سأل الجريح.
-لا تكلمه.
-لا أحد يريد مكالمتك، تشاكى الجريح.
الآن كان الثلاث ينزلون منحدر جبل، وكان الجريح يتمتم لغوا لا يسمع. يبدو أن أسنانه مطبقة و لذلك تخرج الألفاظ بصعوبة من فمه.
-أتحس بسيلان الدم؟
-لا تكلمه, قالها الحمال الآخر الذي كان أكبر سنا وذا عزم وكان يشق الطريق أمامهم.
-لم يتوقف من السيلان , قالها الجريح... أحس أني فرغت...
أمامهم كان شيء ما يحدث حفيفا بين الأدغال.
-لو نرتاح قليلا قالها الأصغر...
-تقدم, قاطعه الآخر...وكانت رجلاه الكبيرتان الملطختا وحل تقفزان فوق العليق.
ثم بدأت ريح باردة و ذات قرص تدفعهم نحو فرج. ثم نحو أودية. ثم نحو غابات صغيرة آخر. وكانوا دائما تحت جناح الليل. الريح تأخذهم من شعر رؤوسهم الملطخ بالدماء, من الأذان فتدفعهم دوما نحو الأمام.
منذ لحظات كان الجريح لم ينبث ببنت شفة. أصبحت المحفة خفيفة.فنسي الآخران التعب.
كانت كتلة من الليل والموت على أكتافهم كأنها هالة من تكثيف سناج تجرهم إلى مكان ما. كانوا يخترقون حلم فالجريح الذي لم يعد بالمحفة كان ينتظرهما في البعيد حيث كان يجريان.
مرثية الليل
وضع القلم ثم بدأ ينصت إلى الليل. طويلا. استمع إليه يتنفس من حول البيت. الليل ! صرخ بصوت خافت. ثم مسح يديه الغليظتين وعلى جبينه بمنديله.من يقول... ثلاثون سنة...يوم بعد يوم...يوم الاثنين، قالها بصوت عال.
نهض.رمى بالدفتر إلى طرف الطاولة الأخر. ثم شرع يمشي بخطوات واسعة في غرفته، حافي القدمين. وقف أمام المدخنة، قال بصوت عال: الليل الأسود! ثم نظر في الموقد حيث يفرقع خليط من الصمغ و الحطب. رائحة الأرز، يا خالق السماوات و الأرض! عاد إلى الكرسي الذي كان مسحوبا إلى الوراء عن الطاولة فنظر إلى الدفتر في طرفها. أدار الكرسي ،جلس منفرج الساقين عليه وقال بصوت عال: علي البدء من الأوّل... ما دو نته هو نوع من الرثاء. مرثية الليل... علي
أن ابدأ بتلك الظهيرة، عندما كنا جهة المقابر الرومانيّة في اليوم الأسبق وإلا لكانت خرافة هذي
الكلمات: ريح باردة تجر هاربين وجريح داخل ستار ليلي !علي أن استذكر صناديق البنادق، ما دفعني لاختيارهم هم بالذات لتحويل انتباه العدو عن طريقنا ... لحوجبات... جبل طاقة ... بوشبكة... فنهض محدثا صريرا بقوائم الكرسي الأربع.
فتح النافذة على مصراعيها. و كأنّه يريد ضبط اللّيل. فعثر عليه ــ الليل ــ متساقطا بـأسفل الحائط، المقابل. ليل كاب شبيه بجلد وقد تركته بهيمة ما بقرب البيت... أهملته ــ الليل/الجلد ــ لتبقيه في عذاب دائم. حاول أن يصرخ لكنه لم يفعل شيئا، فعلم أخيرا في هذه اللّحظة إنه يفتح كل سنة النافذة على مصراعيها في ساعة متأخّرة من اللّيل، أول شهر مارس، مقبض اليدين، محدقا في خليط من نار، حمالة، صناديق ليحاول أن يصرخ: كلنا يموت كلنا يموت ...