المَسْكنُ الشعبي

محمد مسعد ياقوت

بلطيم \ كفر الشيخ

[email protected]

مواطن بسيط مٌعدم.. كل شيء حوله يذكّره بالآخرة .. و بالعدم ..

عبد العال الشيال..

ذلك الشاب المصري صاحب المؤهل المتوسط ، يسكن مكاناً ليس ملكاً لأحد..

فقد حوّط مكاناً في المقابر الشعبية .. ليكون مسكناً بسيطاً ينام فيه..

وقد كان عبد العال ذكياً جداً ؛ فقد أنشأ مسكنه المتواضع في أعماق جوانية في قلب المقابر ؛ حتى لا يستطيع بلدوزر البلدية أن يدخل عند مسكنه ويهدمه ـ مثل بعض الحشرات التي تدفن نفسها في شقوق تضمن عدم قدرة الكائنات الكبيرة المعادية على النفاذ إليها ..

أقام " تعريشة" من الطوب و الطين و البوص الفخم و صناديق الكرتون المفككة ..

ينام في مسكنه هذا بترقب شديد .. !

هو لا يخشى الثعابين السوداء التي تملىء المقابر ـ بل يخشى الثعابين البشرية أن تذيل مسكنه ..

هو لا يخشى العفاريت التي يسمع عنها في المقابر .. بل يخشى شياطن الأنس أن تؤرق مضجعه..

ولكن القدر المحتوم يدفع بالبلدوز نحو مسكن المواطن عبد العال ؛ في الوقت الذي هدأ فيه عبد العال وهجع !

وانسل إلى أحلامه الثورية ..

والبلدوزر يمشي في مهابة وجبروت نحو المسكن ..

وبدأ البلدوزر الطاغية يلتهم ـ بقسوة ـ بفهمه الحديدي ـ مسكن المواطن الشيال !!

و المواطن لا يشعر بشيء من ذلك .. فقد استغرق في النوم .. بل يرى فيما يرى النائم أنه انتقل من مسكنه البائس هذا إلى مسكن أفخم منه في مقابر البساتين ، حيث مقابر المناصب و العائلات (الهاي) و الأُسر العريقة ..!

و يا لها من سعادة يشعر بها عبد العال !! حيث لا تجرأ هذه البلدوزرات المجرمة أن تقترب من هذه المقابر العتيقة..

و يا له من طيران يحس به المواطن !

نعم .. فابنتقاله من المقابر الشعبية النكدة إلى مقابر البساتين الفخمة ـ شعر الرجل أنه " قَبّ على وش الدنيا " !!

شعر فعلاً بخفة تدبُ في جسده من شدة الفرحة ..

فأخذ يشدو ويشدو !

ويطير و يطير !! و يطير و يطير !!!

ولكن .. ـ في ذروة النشوة ـ يسقط فجأة !

وبشدة !

ليرى نفسه في مقطورة البلدية !!

فقد حمله فم البلدوزر هو ومسكنه الشعبي ..