صوت الحنين
صالح أحمد
طويت دفتري ... ألقيتُ به على حافة السرير العريضة التي حولتها هي الأخرى إلى مكتبة تحتضن أوراقي... وأغمضت عينَيّ... نسيت تماما ما كنت كتبت منذ لحظات؛ أو هكذا عوَّدت نفسي... أن أنسى ما أكتب لأظلَّ أكتب!
أطلقت العنان لأفكاري لتمرِّرَ شريط الذكريات سريعا في مخيِّلتي... استعرضت شرائح أسبوعي الأخير... شهري الأخير... عامي الأخير... لم أعثر على جديد يستوقفني... تتقاطع الأفكار.... تأخذني وترجعني... وعلى النافذة غيمة تمطرني وعدا... تروي جذور حلمي... فأتمادى!
ناديت من خلف وهمي: يا آمنة... اذهبي عني بعيدا... ما من شيء فيَّ سهل!... لست المركب الخالي!... لست البحيرة الضحلة!... ولست الغيمة العابرة!... أنا رحلة تطول... وشعلة لن تنطفئ... اذهبي يا آمنه... لا خوف عليَّ من الغفلة ...
وألمح من خلف بسمتك التي لا معنى لها ... بريق عمر ضاع فيها... وهو يبحث عن معانيها... تحوَّرَ مرغما إلى خوفٍ تكَوَّرَ في قسماتك البريئة!
إذهبي يا آمنة... ولا تسأليني كيف استطعت أن أتبَيَّنَ الخوف الذي تخفين حتى عن حنينك الى ما وراءه! أو كيف استطعت أن أُدرك شوقك للسعادة المضمرة خلف رغبتك المكبوتة في أن تكوني غير ما استطعتِ أن تكوني! أو كيف أملك أن أراك خارجة من عمق ذاتك باحثة عن يقين يعيدك إليها؛ تجمعين أجزاءك لتكوني أنت!
اذهبي يا آمنة... فأنا ... ما عدت أقدر أن أكون سوى أنا... صوت الصراع الذي مهما هربتِ... مهما انكمشتِ... سيظل ينبش عمق عمقك... ويظل يرصد صوت صوتك... نابشا ما كان أو سيكون منكِ!
لا تسألي يا آمنه؛ وفقط عيشيني... عيشي كياني... تلهفًا للاحدود؛ وبسمة أنثرها مطرا وطلا تنتشي منه الحياة.
* * *
عاد شريط الذكريات يهزني، يقطع موج صفاء نفسي... وآمنة ... عادت تمازج صوت ذاتي ..
قالت: لماذا لا تجيب؟
- علامَ؟
- قل لي؛ كيف تحيا؟
- أجعل من عمري شراعا وأسير...!
- لا تبالغ! دعني أفهمك...!
- قلت والبسمة ترسمني: كل ما قلت صحيح وبسيط.
- لكنني لا أفهمك!
- عودي إلى أرض الحقيقة؛ تفهميني!
- أنذا أمامك.
- لكنني لا أزال بعيدا... خلف ظنك... خلف وهمك!
- خذني إليك.
- قاسية أيامي... أخشى على أعتاب حقيقتي أن يصلَبَ حلمك.
- لا تكن قاسيا عنيدا... فقط خذني اليك؛ ولا تبالِ.
- عمري خشوع في ملكوت حقيقتي... فأين من ذلك حلمك؟!
- خذ بيدي... فلربما أدركت حقيقتك.
- حقيقتي كوني... وكوني لهفة للقاء نور يستفزُّ حقيقتي .
- خذ بيدي... عاشقة للنور تسجد مثلك.
- حقيقتي عبوديتي للنور... والنور يلف كل الكون... يمازج كل ذرة... بل كل لهفة وحلم وحقيقة!
- التقينا إذن... خذي إليك حقيقة في حلم... أوحلما حقيقيا... يرنو لنور لا يغيب... وليس تدركه القلوب الميتة.
* * *
عاودني سكون نفسي؛ وقد رضيت عن حقيقة ذاتي؛ كما رضيت عن حلمي. قمت إلى محراب روحي؛ خلعت عني كل وساوسي، وشطحات فكري، وأقبلت بكل ذرة من هذا الكيان الذي هو ذاتي، ووقفت خاشعا متذللا للنور الذي ترنو إلى ملكوته نفسي .