وليمـة قــطـط
وليمـة قــطـط
لبنى ياسين ـ دمشق
كان أبو عـدنان بأسماله البالية التي سقطت كيفما اتفق فوق هامته المنحنية يراقب بفضول هادئ رهطا من القطط أمام محل الجزار وهي تخطف ما يرميه الرجل إليها و تهرول به بعيدا عن عيون الفضوليين و ربما عن مخالب قطط اكثر شراسة منها .
تساءل بينه و بين نفسه لماذا لا يكون البشر هكذا .. لمَ لا يكتفي الإنسان بقوت يومه ؟ لماذا عليه أن يحشر الثلاجة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها بالطعام , ثم يختزن ما تبقى من معلبات و حبوب داخل خزانات المطبخ ؟ .. و حدث أن نقم في متاهات ذاته على مخـترع الثلاجة موقـناً بينه و بين نفسه أنه السبب في جوع من لا ثلاجة لديه , إذ منذ ظهر هذا الاختراع الغبي إلى الوجود , أصبح الناس يخزنون الطعام حتى ذلك المتبقي اثر انتهائهم من وجباتهم .. بل وأصبحت الحياة كلها تخضع لمبدئي التجميد و التعليب , فآراؤنا صارت مجمدة .. مشاعرنا صارت مجمدة .. بينما أفكارنا أصبحت معـلبة حتى إشعار آخر.
في هذه الأثناء اقـترب هـّرٌ هَر ِمٌ من وليمة القطط .. لم يقـترب تماما .. بل ظل على مسافة كافية للأمان تنبئ بقية القطط انه جاء مسالما و لن يدخل بعراك مع أي قط آخر لأجل طعام هو في أمس الحاجة إليه لولا وضعه الراهن الذي لا يسمح له بالعــراك .
تماما كصاحبنا هذا وقف يراقب بسكون قطع اللحم التي تطير من يد الجزار في الهواء , فيقفز هر ما من هذه القطط .... و يلتقطها و يغيب في إحدى الزوايا .. لم يدنُ .. لم يلتقط قطعة واحدة .. كان يعلم تماما أن الضعف البادي بوقاحة على أنحاء جسده و ملامح وجهه سيشجع اضعف هذه القطط على مهاجمته إن فعل .
دار في خلد أبى عدنان .. لعل القط أيضا يلعن الثلاجة و ينقم على من اخترعها, إذ انه لولاها لكان فائض اللحم بكامله نصيبا للفقراء و القطط , و ليس بضعة قطع غير صالحة للاستهلاك البشري فحسب .
حانت منه التفاتة نحو القط , فرأى القط بدوره ينظر إليه بإمعان أيضا ... لربما هو الآخر يرثي لحال هذا العجوز .. إذ بينهما تواطؤ خفي أحدثه الجوع و الفقر و الهــرم .
خطر في بال أبى عدنان أن هناك توارد أفكار بينه و بين هذا الحيوان الهرم .. بل أن هنالك عـدة نقاط التقاء و تشابه بينهما .
اقترب منه بهدوء و هو ينظر إليه , لم يمانع القط , بل ظل يحدق مباشرة في عيني أبى عـدنان دون أن يرمش له رمش .. مـّد أبو عدنـان يديه والتقـط القــط .. رفعه إلى صدره .. ضمـه بـود قديم هرم , و مشى به بعـيداً عن وليمة القـطـــــط.