النشيج
النشيج
د. صلاح الخزعلي/ صنعاء
(لأنّ حياتي عذابات امس طويل.. عذابات كلّ السنين
ولكن, سأبقى كطير الحقول يجول يجول
ويبحث في قلبه عن سماء يزينها ببقايا الذهول) (1)
مرّت عليه اعوام طويلة لا يعرف إن كان يغفو أم لا.. في كل ليلة تؤرّقه هواجس وافكار وتقض مضجعه حتى إن قلبه يعتصر فتضيق منافذ الهواء الى رئتيه.. اعتاد على خفقات قلبه المضطربة, طالما احسّ بأن قلبه يفر من بين اضلاعه حين يسمع أدنى صوت مفاجئ أو يحسّ بحركة مفاجئة .. لن تطبق اجفانه وينام قبل طلوع الفجر حيث تكون قواه قد انهكت وأكمل العلبة الثالثة من السجائر الرخيصة الثمن التي اعتاد تدخينها.. ويكون الأرق قد سلّمه بين يدي كابوس ما اعتاده رغم زيارته المستمرة كل ليلة منذ سنين.
كانت الساعة الرابعة والنصف فجر يوم الخميس الموافق لـ 16/12/1993.. يكون قد مرّ عقدان من الزمن على كابوسه المقيت.. القى بجسده المنهك فوق فراشه.. لم تمض سوى دقائق .. قفز من سريره وارتطم بالجدار المجاور له أحس بأنه يلوك قلبه بين فكّيه.. كانت طرقات شديدة على الباب لا يعرف ماذا يفعل.. أخفى بعض الاوراق خلف صورة كبيرة لأمّه كانت معلقة على احد الجدران ورمى بعض الكتب من النافذة الى خارج البيت.. مع ازدياد الطرق على الباب تزداد دقات قلبه حتى أن صداعاَ كاد أن يشطر رأسه .. نزف أنفه دماَ غزيراَ.. هدأ من روعه صوت صديقه كريم الذي رافق طرقات الباب.. فتح الباب.. كان فكّاه يطبقان على مخدّة صبغها الدم بلون احمر قان.
ـ ما الذي حدث لك؟
ـ ماالذي جاء بك في مثل هذا الوقت؟ الا تعرف حالتي؟ كدت تقتلني.
ـ أنت تنزف.
ـ لا بأس سيتوقف هذا النزف بعد قليل.. حدث لي هذا مرات عديدة من قبل.. قل لي ماسبب هذه الزيارة السخيفة؟
ـ يجب أن تذهب الى الطبيب؟
ـ هيّا يا كريم قل لي هل أنت في ورطة؟
ـ جئت كي اودّعك.
ـ ماذا؟
ـ حسمت امري.
ـ الى أين؟
ـ لا ادري.. ساوافيك بأخباري اينما أحلّ.
*******
ـ لقد يبست شجرة الصداقة وسقطت أخر اوراقها.. ما اسرع جفاف هذه الشجرة!.. لم يكن كريم كباقي الاصقاء .. كان اكبر من ان يوصف بالصديق..من لي بهذه الارض التي شاخت مبكرة وفقدت رونقها و عنفوانها.. انقطعت اخبار جميع الاصدقاء. .وألآن كريم.. هل ستأخذه عجلة الزمن حيث تدور وتنقطع أخباره هو الاخر؟ .. من يدري؟
امتزجت رائحة القهوة التي أعدّها برائحة الدّم الذي سال من منخريه.. قلّب دفتر مذكراته.. دوّن اخر كلمات كريم الذي ودّعه قبل قليل.. تصّفح مذكراته.. كان يبتسم تارة و يحزن اخرى.. توقف عند كلمات قالتها له عرّافة يوم 17/1/1980 ستموت غريباَ ايّها الشّاب ولن يكون لك قبر يزار ولن يعرف موتك حينها.. إلاّ أن الرياح القادمة من بلاد مجهولة ستحمل عطراَ من جسدك الذي سيتبخر كقطرات الندى حين تطلع عليها الشمس. . سيطوف هذا العطر حول مدينتك ولن يميّز هذا العطر سوى انسان سيشهق به و يختنق بعبيره.
ـ لعل ما تقوله صحيح.. هزأت منها يوم ذاك.. لست خائفاَ من الموت لكني ألآن احسست بكأبة الغربة بعد وداع كريم.
ارتعشت يداه.. أحس بنحول ينتاب بدنه, إصفرّ وجهه.. سقط فنجان القهوة من يده فوق ما خطّ من كلمات العرّافة حتى ضاعت معالم الحروف.. تكونت على الورقة أشكال مختلفة.. دقق نظره.. بدت كطلاسم من الصعب فك رموزها.. ادار الدفتر في عدة اتجاهات.
ـ ما هذا؟ إنها صورة كائن غريب.
ضيق فتحت عينه وأبعد رأسه الى الخلف.
ـ إنّها صورة الوحش الذي يطاردني في نومي, إلآّ أن شعره واظافره وانيابه تبدو اطول مما اراه في نومي.. وما هذا الذي يمسك به؟ أجل إنها العقرب التي كان يدّسها تحت ثيابي.. كانت بذنبين وهي ألآن تحمل العديد من الأذناب.. إنه يحمل في اليد الاخرى قلباَ ينزف دماَ لعلّه قلبي.. هددني في الليلة الماضية حين جثم فوق صدري بأنه سينتزع قلبي.
احس بضيق في صدره.. ازداد تنفسه صعوبة.. انبعثت رائحة نتنة من امتزاج رائحة دمه برائحة القهوة.. لم يستطع التنفس.. إزدادت عفونة المكان.. غادر الغرفة لكن الرائحة مازالت تنبعث.. بدأ جسمه بالتشنج, إنه لا يشعر بالهواء الذي يدخل رئتيه.. يتنفس بعمق دون جدوى.. انتفخ صدره.. هرب من البيت الى الشارع.. لكن الهواء يزداد عفونة.. شعر بأنّه يفقد وزنه, ارتفع عن الارض قليلا.. سمع صوتاَ:
ـ هيا إملأ رئتيك أكثر بالهواء وأتبعني.
رفع رأسه نحو السماء.. شاهد ضلّ إمرأة معلقة في الفضاء.
ـ اليست هي تلك المرأة التي كانت تسخر مني حين يداهمني الوحش في منامي؟ أجل إنها سراب.
ـ هيّا عبئ رئتيك ليس هناك المزيد من الوقت.
شهق شهيقاَ عميقاَ فبدى كمنطاد.. أخذ يرتفع ويرتفع.. حتى اختفت معالم مدينته.. لكن صوت نشيج منبعث منها ظل يتابعه.. عبرا فيافياَ وبحاراَ.
هبطت سراب على قمة جبل.. حسين لا يزال معلقاَ في الهواء.
ـ افرغ ما بجوفك من هواء وستهبط.
هبط حسين على قمة جبل أجرد يحيط به البحر من جميع الجهات إلاّ طريقا صخريا يربطه بقرية بائسة غالبية سكانها من الصيادين الذين يستعملون وسائل بدائية في الصيد والذين لا يجدون معظم الايام ما يقتاتون عليه بسب سفن الصيد الكبيرة التي ترتاد اماكن صيدهم.. كان الجبل بعيداَ عن سراب, لكنه يستطيع محادثتها.
حلَ وقت الغروب.. وسّد حسين رأسه على صخرة صغيرة.. رغم عفونة البحر ورطوبة الجو وحرارته نام نوما عميقاَ.. لاوجود للكابوس.. لم يوقضه غير حرارة الشمس التي توسطت كبد السماء.
نظر نحو القمّة التي تسكنها سراب.. صاح بأعلى صوته
ـ هل بامكاني زيارتك؟
ـ أومأت اليه بالـ نفي وأشارت اليه بأن ينزل الى القرية.
مضت عليه ايام شعر بأنه استعاد عافيته.. حصل على ما حرم منه لسنين طويلة.. بعد اشهر شعر بالوحدة.. لم يستطيع التأقلم مع هذه القرية المشغولة بهمومها على الرغم من أنّه كان يحلم بأن يعيش على ساحل البحر ويحيا حياةَ بسيطة.
ـ كيف لي أن أعيش هنا؟ الكل هنا مشغول بهمومه, فأنا لا ارى سوى اجساد نصف عارية يقضون جلّ وقتهم في الماء بحثاَ عن لقمة العيش, وأطفالا يلهون على الساحل, ونساءََ غلفهن السواد كالغربان التي لايعرف سكان القرية طيوراَ غيرها.. حتى أنّهم يتشائمون من البلبل الذي يزور القرية في بعض أيام السنة.. النساء هنا يشكين وحدتهن الى الليل الذي يأخذ فحولهن لأيام وأحياناَ لاسابيع.. تدور في القرية قصص غريبة.. أحد النساء تزوجت منذ عشر سنوات إلاّ انها لم تمارس الحب مع زوجها غير مرّة واحدة ليلة زفافها وفي الصباح التالي نزل بعلها البحر وبعد اسابيع من عودته كانت في حالة لا يمكنه ممارسة الحب الذي خطط له قبل زواجه.. في بعض ايام عودته تخونه قواه.. استمرا على هذه الحال حتى انقضت السنة العاشرة أحرقت خلالها عشرات الكيلوغرامات من البخور رغبة في اقتناص ليلة دفئ تذيب فيها صقيع ليالي الوحشة التي محت نضارتها في المقابل كان زوجها قد جرب كل انواع السمك الذي وصف له.
ـ ستقتلني الوحدة.. أين أصحابي.. سأفقد عقلي.. لم يحدث لي من قبل أن اضحك هذه الضكات الهستيرية.. إنه الجنون.. أهذا ما وعدني به الوحش في احدى زياراته؟.. علي أن اغادر هذا المكان.
(تـمـهّـل فـعـسـرالـمـخـاض ابتدى ومــنــفـاك هـذا إذا لـم يـضـــق فـمـاذا تـفـعـل هذا الســـــــؤال اجــب إنــك الأن لا لــلـســمـاء | أتـولـــده غربـــــــــة أم ردى بــك الــيـوم حــرّا يـضـيق غدا الـعـذاب الـجـحـيـم الـحـراب المدى ولا الأرض والـريـح لـن تـخـمـدا)(2) |
نظرت اليه سراب متسائلة:
ـ هل تريد أن ترحل من هنا؟
ـ أجل.. الى حيث يكون أصحابي.
ـ إملأ رئتيك هواءاَ واتبعني.
لاحت له الارض وكأنها بساطاَ ابيضاَ.
ـ هل سأعيش في بلاد الثلوج هذه؟.. كيف لي أن احتمل مثل هذه البرد؟.. لابد أن هذه الارض لا تعرف الشمس.. لا اعتقد بأن مفاصلي ستحتمل هذا الصقيع. كيف استطاع (أ) أن يقضي هنا ثلاث سنوات وقد كان يعاني من الروماتزم في مفاصله.
بعد أن افرغ رئتيه من الهواء سقط ككومة من اللحم المثلج تجمع بعض المارة حوله وكان من بينهم صديقه(أ)
أفاق من الغيبوبة التي اصيب بها نتيجة للبرودة الشديدة..
ـ لا اصدق ما أرى.. (أ)! كيف اهتديت إليك؟
يتعانقا عناق أمّ لولدها الذي فتقدته منذ سنين.. تسكب دموع غزيرة.. تعقبها لحظات صمت تضمّنها اشتياق وعتاب ولوم على الانقطاع الذي كان بينهم..
ـ لا اصدق عينيّ.. كيف استطعت ايها العنيد أن تقنع نفسك وتأتي الى هنا؟
ـ الفرق بيننا هو أنا اكثركم صبراَ.. أين بقية الأصدقاء؟
ـ إنهم يعودون بعد أن تقفل المدينة أخر محلاتها..
ـ هل حققتم أحلامكم؟
ـ على حساب أشياء كثيرة؟.. (ع) يعود الى البيت بعد أن يطرد من الحانة, منذ فترة طويلة وأنا لا اجد فرصة لأحاوره فهو في الليل سكران وفي النهار نائم.. حالته الصحية سيئة.. إنّه يعاني من تشمع الكبد, قال لي الطبيب أنَه لن يعيش أكثر من خمس سنوات أخرى.. المهم لا اريد أن أثقل رأسك.
ـ اخبار( س)؟.
ـ حقق حلمه بالحصول على المال, فهو يتاجر بالممنوع..أمّا (م) فقد أصبح زير نساء, فهو محبوب الشقراوات والسمراوات على حدّ سواء حتى أنّ النساء هنا اطلقن عليه إسم مذيب الجليد.
ـ أمّا (ل) فقد أصبح استاذاَ جامعياَ.. لكن.
ـ لكن ماذا؟
ـ خسر عائلته, لم تعد لديه سيطرة عليها.. تطلق عليه عائلته لقب الاستاذ المتخلف. لم تسأل عن حالتي؟
ـ ارى أكداس اوراقك, فأنت أنت كما كنت.
ـ الكل هنا يعتقد بأنه حقق احلامه, البعض حصل على درجات علمية وادبية والبعض يعيش حياة مرفهة.. لكنهم سلّموا أنفسهم الى هموم أثقل مما كانوا يحتملون, تلاحظ ذلك في نحيبهم وبكائهم حين يستمعون الى ما يذكرهم بماضيهم.
ـ ألستم مرتاحون؟
ـإ نّه أهون الشَرين.. في زحمة الحياة تنسى همومك وعند خلوك الى نفسك تشعر بالكثير من التفاهات في مجتمع لا نستصيع الذوبان فيه, لم نتربى لهذا. أنت أكثرنا صبراَ وسترى.
مرّت شهور, انبهر بكل شئ وصل اليه هذا العالم..
ـ أتيت من أجل اصحابي أنا أعيش بينهم ولا استطيع أفهمهم, وليس بمقدوري بعد هذا العمر أن أحصل على أصحاب يتوافقون مع أحلامي..ا شعر بالضيق.. ليس لي إلاّ النحيب.. لماذا أتيت أنا الى هنا وماذا أريد؟.. هل سأصبح مثلهم؟.
ذابت جبال الجليد وسطعت شمس تتمدد لها الابدان بعد انكماش دام قرابة ستة أشهر.. ازدان اخضرار الاشجار.. تفتحت انواع الازهار التي لم يرى لها مثيلاَ في حياته.. لكن الغمامة التي جثمت فوق صدره لم تنقشع.. اشتنشق هواءَ دافئاَ شعر به كأنه يكسّر رئتيه اللتين تجمدتا بصقيع الشتاء ليخرج من مساماته التي افقدها الجليد وظيفتها.. أحس بنوبة بكاء ولكن ما الذي يفجر هذه الرغبة ردد مع نفسه كلمات اغنية كأنه سمعها هذه اللحظات:
(ساعة وتغيب الشمس ساعة ويجيني الليل
يراد حيل ودمع ومنين اجيب الحيل
روحي حمامة صفت
يم بيت أهلي اتدور
مشتاق لأمي أنا ولخبزة التنور)(3)
تفجرت عيناه بغدران ماء كان حبيس مأق رفضت البكاء منذ سنين صاحبهما نشيج طفل ضرب بعد حرمانه من لعبته المحببة .. ضرب جبهته براحة يده مرّات حتى المته يده.
ـ لست اكثر أصحابي صبراَ كما يدّعون.. بل اضعفهم قلباَ.. أين أنت الأن يا كريم.. أنت الوحيد الذي أطمأن اليه.. أيّ أرض وطأت قدماك.. ليتك .....
لاحت له سراب من خلف زجاج النافذة
ـ تبكي كطفل؟
ـ ليتني كنت طفلاَ.
ـ الى أين تريدني احملك هذه المرّة.
ـ احمليني الى احضان من ابكي فوق صدره.. فيكون بكائي بكائه ونشيجي نشيجه..
حلّقا في الفضاء لكن رياحاَ غيرّت اتجاههما فحطّا في بلاد كلّها عجب.. ضلّ يتفحص الوجوه بحثاَ عن كريم.. لم يرى في هذه الوجوه غير شبق كل الغرائز البشرية..
ـ هذه الارض التي حلم بها كريم.. لم يكن شبقاَ لأي شئ لكنه أراد الهروب الى حيث يكون انساناَ لا تراقب تصرفاته عين انسان.. سئم من حياته الجادّة.. لم تجلب له سوى الصداع الدائم.. هل بمقدوره أن يغير نمط حياته بهذه البساطة.. لن يجني سوى المزيد من الصداع.. وسيقتله شبق الناس.. أين أنت الأن ياكريم؟ ليتك تكون بقربي..
جلس على حافة الرصيف المطل على البحر حيث اقيم مقهى لاحظ ان كل رواده من المسنين الذين يستمتعون برواية مغامراتهم العاطفية كلما مرت فتاة بمحاذاة المقهى.. ويجترون حكايات لا تنتهي الاّ بنهاية يومهم يلوكونها في اليوم التالي.. لم يكن سواه في عمره.
ـ هل شخت لأصبح من رواد هذا المقهى؟.. وأي مغامرات سأرويها لهم فانا لم يسبق لي مغازلة فتاة أو حتى التحرش بأمرأة كما كان يفعل اقراني.
سرقت نظره مويجات تتكسر على الحافة الصخرية تحت قدميه.. سمع همس في أذنه .. كان ذا عذوبة ودفئ حتى أنّه شعر بفقدان توازنه.. أغمض عينيه
ـ هيّا يا حسين.
امسكت سراب بيده.. أحسَ بنعومة ودفئ لم يألفهما من قبل..
ـ هل كل النساء بهذا الملمس؟
إنقاد معها.. تسحبه خلفها.. توقف فجأة وسألها:
ـ الى أين أيّها الملاك؟
ـ اتبع موت الطائر المهاجر.. وشاعر الذاكرة الجديدة.. في كتب المستقبل البيضاء.(4)
أجاب دون أن يلتفت اليها:
ـ وسندباد مدن الكواكب الاخرى على شواطئ الذاكرة الجديد.. يحرفه التيار..
يحمل في قاربه نبوءة الرياح(5)
التفت اليها,. قالت:
ــ يموت في المقهى وعيناه الى بلاده البعيدة(6)
أجاب:
ـ تحدقان من خلال سحب الدخان والجريدة(7)
تختفي سراب عن ناظريه.. اقترب من رجل يأنّ.. وينشج كثكلى.. اختلط النشيج في ذاكرته.. سمع صدى نشيج مدينته الأم..
ـ من أين جاءت بهذا الكلام؟.. هذا ماقالته لي العرّافة.. صاح بصوت عال اهتز له المقهى ومن فيه:
ـ سراب.. سراب.. سراب.. أين أنت؟.. لم استطع احتمال هذا النشيج.. احمليني الى حيث التقيتك المرة الاولى..
ازداد النشيج حدّة.. سدّ اذنيه, لكن دون جدوى.. غادر المقهى.. لاحقه النشيج.. أسرع خطاه وأبتعد عن المقهى حتى أنّه لم يعد يراه.. استلطف النشيج, أحس به لحناَ عذباَ..
ضاق نفسه و صار يشفط الهواء حتى اخذ الهواء يصفر في رئتيه.. انتفخ كضفدع.. تعلق في الهواء.. صار فوق مدينة الشبق.. تراءى له كريم وسط زحام المدينة.. خفق قلبه .. لم يستطع مناداته.. بدى كريم وكأنه مجنون حيث تدل عليه حركاته اللاارادية.. ضلّ ساكناَ في الهواء.. لم يبتعد خطوة عن المدينة.. تعالى صوت النشيج في اذنيه..
ـ لقد جنّ كريم.. لكنه على الاقل قد يكون قد تخلص من صداعه الدائم.. هل تتحقق نبوءة العرافة؟ .. هل ستحمل الرياح هذه النبوءة الى حيث يتوقف النشيج.
سكنت الرياح التي يمكن أن تنقله الى حيث يشاء.. تمدد الهواء داخل رئتيه وانتشر في اعضاءه.. سخن الهواء وصارت خلاياه تتمدد.. كاد أن ينفجر.. أحس بحرارة جسمه ترتفع, تصبب عرقاَ غزيراَ حتى أنهّ شعر بأنّ دمه يخرج من مسامات جسمه.. الحرارة أخذة بالارتفاع.. تبخرت أجزاءه شيئاَ فشيئاَ.. فاحت منه رائحة عبقة ظللت مدينة الشبق بأنتظار رياح تنقلها الى حيث يكون النشيج.
الهوامش:
(1) مقاطع من قصيدة(صدى الصمت)للشاعر العراقي عمّار صبيح التميمي
(2) أبيات من( قصيدة المخاض) للشاعر العراقي الدكتور محمد حسين الاعرجي
(3) مقطع من أغنية عراقية
(4), (5), (6), (7) مقاطع من قصيدة( الكابوس) للشاعر عبد الوهاب البياتي