الصياد والنهر

الصيّاد والنهر..

نور الجندلي
[email protected]

 

    تعالى صوت ضحكاته العذبة .. وهو يرشق بمياهه النقية أعشابا خضراء نضرة ..

    وبعضا من زهور فضولية .. تدلت بجمال على ضفتيه الرائعتين..

    منطلقا بحب كبير للحياة ..أتى يخترق بدلال بالغ تلك المدينة الغافية على سفح الجبل الأشم ..

   وكعادتها .. تستيقظ باكرة في كل يوم .. تلك الشمس الصبوح.. لتلقي على أمواجه الهادئة تحية رائعة ..

عبر خيوط ذهبية ترسلها بدفء وحنان إلى مياهه الزمردية ..
وتصافحه بحب وكأنها تناديه ..
أن هلم معي أيها الصديق الوفيّ .. هلم لنعمل معا في بثّ الإشراق والسعادة في كل نفس .. وكل روح ..
يتهافت الأطفال من كل فجّ في المدينة بعد انتهاء الدوام المدرسي إلى ضفافه ..
فيعبثون بمياهه الدافئة .. ويثيرونها بشيء من شغب طفولي محبب ..
وأبقى أنا أرقب من مكاني البعيد الهادئ ذلك الصياد الهرم وهو يظلل رأسه بقبعة من قش .. لعلها تحميه من وهج الشمس ..
أو تخفي وجهه ولو للحظات في أعماق السكون الهارب من صخب الحياة ..
بهدوء يحمل شباكه المربوطة بإحكام .. وصنارة صيده الخشبية القديمة .وينطلق علىزورقه الحبيب فاتحا ذراعيه للحياة .. 
للأمل .. متفائلا بصيد ثمين .. يعود به بسعادة ليضعه لقمة هنيئة في أفواه أطفاله الجوعى المنتظرين عودته محملا
 بهدايا النهر لهم ..
لو تأملت ملامح ذلك الرجل الهرم .. لوجدت الزمن قد حفر فيها أخاديدا عميقة..
ولو دققت في زرقة عينيه .. لتفجرت ملامح الطيبة أمواجا هادرة .. تغمرك بسعادة لا توصف .. وأمل بالحياة ...
ولو أرسلت روحك إلى شواطئه البعيدة ..
لعادت محملة بكنوز من رضى .. وأصداف ملونة من سعادة وحب للحياة ..
ها هو يبتعد بزورقه الخشبي عن أعين الصغار وعن عيني .. لتبقى ترانيمه الجميلة عالقة في أذني .. 
وهو يحيي النهر .. ويدعو الله بسعة الرزق ..
وهاهو النهر يسيره برعاية من الله ورضى .. إلى أعمق نقطة على مياهه .. 
ليهديه مع إقبال المساء .. ورحيل الشمس مودعة صفحات المياه بلونها القرمزي الخلاب .. 
كل ما يقدر عليه من زاد ...
فيعود الصياد غانما إلى عشه الدافئ .. يطعم صغاره من هدايا النهر أطايب الطعام ..
ويكمل النهر رحلته الساحرة في بثّ الجمال والإشراق في كل نفس ..
ويأبى أن أغادره قبل أن يطبع في قلبي بصمة من بشر وعطاء ..
أحفظها له في أوراق الذكريات السعيدة في أعماقي ..
لزمان يمضي كالحلم ..
لا تبقى منه سوى صحائف العمل !