عريس
|
عريسبقلم : محمد الخليلي |
جلس العريس في غرفة النظارة متململا يندب حظه التعيس. أكان واجباً عليه أن يشارك مع إخوته وبني أعمامه بإطلاق العيارات النارية تعبيرا عن فرحهم في يوم عرسه؟ ألم يك إطلاق عدة رصاصات من مسدس عادي كافيا ؟ولم قامت الدنيا ولم تقعد ليلتها،فقد تحول العرس إلى ساحة حرب ، فهذا يطلق من مسدس وذاك من بندقية والثالث من رشاش حتى أصبح العرس أشبه
ما يكون بمعركة حامية الوطيس.
انتفض قائماً وقال لنفسه:نعم إنها ساحة حرب،ولم لا؟هكذا سأقول للمحقق غداً.
لم تنفع الوساطات بإخراج العريس بكفالة ليلته تلك ،بل قضى مع إخوته وأبناء عمومته ليلتهم هذه في النظارة . قرر أن يفاجأ المحقق يوم غدٍ بأجوبةغير معهودة لديه كالتي تعارف عليها الناس ، بأن يقول إنني مذنب وألتمس من عدالتكم العفو والمسامحة، لذا كان لزاما عليه أن يخلد إلى النوم.
بين يدي المحقق استدعي العريس لإدلاء إفادته،فاعتذر حتى يدلي جميع الموقوفين في القضية إفاداتهم حتى لايفسد على نفسه مفاجأة المحكمة بما سيقول. كان الجميع قد اشتركوا بكلمة مذنب وتراوحت استرحاماتهم بين مترادفات طلب العفو والمسامحة.
قال القاضي:أكيد أنك مذنب مثلهم ياسعادة العريس، فأجابه :لا ،فبهت القاضي وتلعثم قليلاً ثم قال:وكيف؟ لاحظ العريس ببداهته أن المحقق قد اضطرب فربما كانت كلمته تلك أول صفعة توجه له في حياته من لدن مذنب فتعاظمت في نفسه الشجاعة وأراد أن يحط َّمن معنويات المحقق فأردف قائلاً :إنني غير مذنب ومصر على موقفي وأظن أن جوابي عن الكيفية لن يعجبك . تفصد جبين المحقق عرقاً وحار في أمر هذا العريس إذ لم يكن متوقعاً منه بالذات هذا الموقف المتعنت، فقد كان متوقعاُأن تكون إفادته سريعة فيها إقرار بالذنب كي يُخلى سبيله فوراً ، وكاد أن يزيغ بصر المحقق لولا أنه استجمع قواه وقال للعريس:أعدك أنني سأفرج عنك فوراً، ولكني أحب أن أسمع رأيك.
استطاع العريس بذكائه أن يفيد من هذا العفو المشروط فقال لمن حوله أتشهدون؟قالوا نعم،فقال:
تعلم أيها المحقق أن جميع الأسلحة الخفيفة والرشاشة التي ضبطتموها مرخصة.قال نعم. وتعلمون أن الهدف الرئيس من صناعة واقتناء الأسلحة إما استخدامها في القتال أو الدفاع عن النفس . لم يجب المحقق شيئاً،فتابع العريس أما القتال فممنوع بموجب القانون رقم كذا وكذا ويعاقب مخالفه بكذا وكذا، أليس كذلك؟ زادت حيرة المحقق وأمعن في الصمت ،تابع العريس:وتعلمون ياسيدي أن الشرطي الذي يدافع عن نفسه باستخدام السلاح ضد المجرمين يُّجَّرم ويسجن فما بالنا نحن المدنيين؟
أفلا يحق لنا نحن المدنيين أن نستخدم أسلحتنا المرخصة يوما في العمر
بإطلاق الرصاص في الهواء تعبيرا عن فرحنا فقد كاد الصدأ أن يأكلها؟ انتهت افادتي يا سيدي.
قام المحقق من على كرسيه وذهب إلى غرفة أخرى يستجمع قواه وقد جف ريقه رغم أنه شرب زجاجة الماء التي كانت أمامه كلها.
عاد بعد قليل وقال :قررنا حبس العريس مدة شهر ومصادرة سلاحه مع غرامة مقدارها كذا لأنه ناقش القوانين، ويطلق سراح جميع الموقوفين على
ذمة القضية بدون كفالة.
مكة المكرمة في 22/8/2004