أقدام عارية

أقدام عارية

قصة: هيام فؤاد ضمرة  

كانت الشمس قد سقطت عن جبين السماء، وتلوثت بسخام الشارع المرصوف حين خرجت من شقة صديقي أجرُّ عاري في أذيالي، وقد نكست الطبيعة هامتها مع إقبال عجاج الظلام، رحت ألملم بحرجي حافة ياقة الثوب على صدري.. يا إلهي اكتشفت أن ملابسي تنزلق عن أكتافي حتى أن لا شيء يمكن أن ألملمه.. وجدتني في حرج شديد، وكأني أتنبه لعريي للمرة الأولى. نظرت حولي مفزوعة..

الأعين ترمقني، النظرات إليّ لم تعد تلك التي عهدتها وكانت نفسي نستلذ لها، لقد تلبست جميعها شكل الاشمئزاز.. أتراهم عرفوا بأمري؟!! أتراهم كشفوا سري؟! هل كان من الضروري ألا نعيش إلا وأسرارنا تقرع من تحت أثوابنا...

كان أبي سعيداً بنجاحي.. وسعيداً أن ابنته تنمو ويتوضح جمالها. قال لي ذات مرة:

- إنك أميرة يا حبيبتي.. ذات يوم سيكون لك أمر عظيم.. فقط لو أنك تحتشمين قليلاً في ملابسك.

ألقيت رأسي في صدره وأنا أعانقه بحب ودلع.. يا أبي لجيلنا موضته وأزياؤه ولجيلكم موضته وأزياؤه، فهل كنت لتتقبل من والدك لو أنه طالبك بارتداء ما يجعلك أضحوكة بين زملائك؟..

ربت على كتفي بحنان وهو يقول:

- فقط كوني حريصة على نفسك.. كوني قوية.

وحين قبلت دخول شقة صديقي في صحبته كنت أظنني قوية، كنت أظن أن لا أحد يستطيع أن يأخذ منّي ما لا أريد إعطاءه، وكنت أعتقد أن لقاءنا في شقته سيبعد أعين الفضوليين عنّا، وسيقينا من مفاجآت التقاطنا من قبل أعين أي من أهلنا أو معارفنا، وكنا نود أن نحتفظ بخصوصيتنا، فماذا لو أننا تعانقنا وتبادلنا القبلات.. هل ستتزلزل الأرض؟

دخلت شقته وكنت مازلت أميرة كما قال والدي، وكنت أظن أنني سأخرج أميرة كما دخلت.. لكن هيهات لو أن حسبة القاضي بحجم قضاياه لهان الأمر.. قال لي صديقي إنني ملكت عليه كيانه وبت أسكنه وأنبض في شرايينه، ولا يتصور أن الحياة ممكن أن تدركه دون وجودي في حياته.. أسكرتني كلماته فتطوحت روحي بين غيوم السماء.. وغاب كل شيء فيّ بما فيه عقلي.. وبلا عقل تمكن صديقي من إسقاطي أو أنني أسقطت عقلي ونفسي خلال رحلة تحليقي فالأمر في السقوط يصبح سيان، لأن الفجيعة قائمة في حالة الشخص الساقط ودرجة إصابته لا في مسبب سقوطه.. وكان علي أن أبكي نفسي كثيراً وأبدأ، لأنني حين سقطت التصقت بحضيض الأرض لأصبح أبداً تحت الأقدام المارة فوقي بلا مبالاة.