عندما يذوب الثلج
عندما يذوب الثلج
أسماء إبراهيم عبدان
كانت هناك عندما أقبل نحو احدى الطاولات، وأحدث ضجة قتلت صمت المقهى, جلس وهو يلهث ،وكأن أحدهم كان يلاحقه ,أخذ أنفاسه ثم صفق للنادل طالبا كوبا من الماء البارد مع حبات ثلج كبيرة.... كانت تراقبه عن كثب وانتابها شعور بانه مجنون , كيف يدخل ثم يصفق للنادل بعفوية وكأنه في (قهوة) شعبية ,ألم يتعلم اداب الجلوس في المقاهي المحترمة ,ثم لماذا يرتدي معطفا في فصل صيفي حارق,والشمس قد تعامدت في كبد السماء,ألا يكفي هذا الحر ليخلع المرء فروة رأسه.
ظلت الفتاة تراقبه بعد أن توجست منه خيفة ,في تلك الأثناء جاء النادل حاملا كوب الماء المليء بقطع الثلج .وما لبث الشاب أن تلقف كوب الماء، وشربه بسرعة,ثم أخرج حبات الثلج من الكوب، ووزعها أمامه على الطاولة وأخذ يتأملها واضعا يده على خده.
كانت تعتقد أنه يرى في هذه الثلجات جواهر تتلألأ أمامه أو حورية تتراءى له من بين انعكاسات الجليد حين يسقط عليها ضوء المقهى ,لكن الشاب ارتعد فجأة عندما رأى الثلجات أخذت تذوب. ربما يكون قد اعتقد ان دم الحورية سال لأن أحد أسماك القرش قد آذاها, ظل الشاب يتأمل حبات الثلج، ثم أخرج من معطفه ورقة بالية الأطراف، وأخذ يكتب عليها.. أرادت الفتاة أن تعرف ماذا يكتب . كانت تحاول أن تقرأ عن بعد ما كتب . لكنها تذكرت أنها نسيت نظارتها .
ذابت حبات الثلج وسقط القلم، فانتفض الشاب وأشعل عود ثقاب ليحرق الورقة البالية ,
أحرقها.. ومضى.. فودعته الطاولة والكراسي والأضواء دون الناس ,لكن الفتاة ما تزال ترقبه حتى غاب عن ناظريها. كانت تتشوّف إلى معرفة ما تبقىّ من الورقة..نهضت الفتاة مسرعة نحو طاولته ,فوجدت في الورقة أجزاء كلمات يغمرها الحزن ,ولعل هذا الحزن هو الذي أطفأ النار التي كادت أن تاكل القصاصة بأكملها ...قرأت الفتاة كلماته الحزينة، وتساءلت:عجبا لماذا يقول هذا المعتوه (( هكذا الوط...)).