تينة الدريني

تينة الدريني

نعيم الغول 

أحصوا أنفسهم . صاح أحدهم :" نحن مائة ، بهذا العدد سننفذ المهمة، معنا فؤوسنا والسماد وأدوات الرش والتقليم، فلنباشر العمل."

صاح آخر :" ولم العجلة؟ لقد وصلنا للتو. فلنسترح هذا اليوم، ولنبدأ غدا، المهمة كبيرة ولم يعين لنا أحد مدة بعينها".

تثاءب ثالث وقال:" نعم لننم قليلا

. التينة عزيزة على قلوبنا جميعا، سنعمل على شفائها ،وسنعمل على أن يمتد ظلها خمسين مترا إضافية ، أليس هذا هو المطلوب ؟ العمل بحاجة إلى دراسة وتخطيط ، التينة قديمة ، عمرها يزيد على الخمسمائة عام منذ زرعها الولي الصالح الشيخ الدريني، يوم إضافي لن يشكل فرقا كبيرا!"

في ظل "تينة الدريني" الشاحبة  جلس المائة، وحولهم بقايا طعام وشراب، وفي وجوههم أشداق فتحها إلى آخرها تثاؤب طويل. وعادت رسل الشمس لتقول لها إنها لم تسمع أحدا منهم يقول :" أوه، الشمس كالجحيم !"

على مقربة تجمعت بعض الغربان، وقد خفضت رؤوسها وأطبقت مناقيرها.

 الأغصان التي كانت على الأطراف أصابتها الوحدة  والبعد بتشقق البشرة، وهشاشة العظام، وفقر الدم ،والأرق ،والحنين إلى لم الشمل، والخوف من الظلام؛ فتقصفت، وسقطت ولم يسمع حشرجة غضبها إلا الريح المهاجرة.

ارتفعت صرخات الغربان  فجأة.

 أحصوا أنفسهم . فصاح واحد منهم : " تسعون يلتحفون الظل."

شرب الساق والأغصان القريبة منه  الرحيق القادم من الأعماق ؛ وأسكرتهم أنفاس الجاثمين تحت الشجرة . تضاعف قُطرُه، وانتفشت حاشيته، وصارت العصارة صمغا على لحائها ،في حين كانت الأغصان غير المحظية تسير في رحلة الجفاف الأبدية .

جن جنون الغربان وعلا نعيقها.

أحصوا أنفسهم . فهمس أحدهم :" عشرون  يتنازعون الظل ."

أفاقت أغصان من نومها، وهزت ما بقي من أوراق عليها، ودقت طبولها صارخة :"جحافل السوس تحفر أنفاقا ،وصلت إلى للب" ؛  انطلقت من الساق شتيمة فاحشة حين أحس بالمن يتمرغ على لحائه ؛ وتطلع إلى الحاشية مستنجدا ، لكن  الحاشية المخلصة كانت قد هربت وراء أرصدة الرحيق السرية حيث مغرب الشمس والخضرة الدائمة.

اندفع في ثنايا الجذر سائل الفزع ؛ فأصدر فرمانا يمنع الدم الأبيض من الانسياب فيها؛ فانطبق لحاؤها على نخاعها، واستقبلت الأرض أوراقا صفراء جافة.

وعلى مقربة كانت الغربان لا تزال تشهر مناقيرها، و ترمق بفرح رجلا واحدا  بقي تحت الشمس وحوله كومة حطب كبيرة.