عبد الرحمن

عبد الرحمن

بقلم : إلهام بيره جكلي

كانت أختها تشدّ على يديها لتخفي آلام المخاض.. وبعد ساعتين جاء الطبيب ليخرج كل من في الغرفة.. ثم دوّت صيحة الطفل.. وأسرعت لترى حبّة القلب ونور العين بجماله الوضاء، وقسماته المتناسقة.. لقد وُلد عبد الرحمن.لن تكون مبالغة لو قالت إنه طفل لا ككل الأطفال، فالجمال من أبدع ما خلق الله، والعيون تبرق ببريق يشعّ ذكاء وتوقداً.ونما بين أحضان أسرة تتوق إلى الأطفال، فأبوه أصغر إخوته وخالته الصغرى قد تجاوزت العشرين..

فأي دلال وحب سيناله؟!.. تكلم قبل أوانه، ومشى قبل أقرانه.. وكتب أول كلمة وعمره لا يتجاوز السنتين والنصف.. وتنبأ له معلموه بمستقبل مشرق.

وتزوجت الخالة وسافرت وعمره سبع سنوات.. وراسلها وأرسل إليها صوره، وصوته في شريط.. والحب يزداد في قلبها خاصة وأنها لم ترزق أولاداً.

وكتب عليها أن لا تعود.. فكان الاتصال الهاتفي وسيلتها الوحيدة.. وبدأ قلبها يضطرب، فهي تتصل لتتكلم معه فلا تستطيع فهو إما نائم أو ليس موجوداً.. ألا بعداً للغربة.. ولابد أنّ في الأمر سراً.. ولابد أن تكتشفه ويا ليتها لم تفعل.

لم تعد تعرف طعم الراحة.. وأي راحة والشاب الحبيب قد أصيب بجرثومة غريبة نادرة أكلت لباب مخه وأتلفت أعصاب دماغه وتركته بلا حراك.. لم يعد يتكلم أو يمشي أو يرى.. لم يبق منه إلا سمع وجمال لم يتأثر..

وأصرت على أهله أن يأتوا به لتراه.. ولم يخيبوا رجاءها ولما وصلت السيارة –وكانت في انتظاره- أسرعت تريد رؤيته وكان مستلقياً على المقعد الأخير.. أمسكت بيديه:

- حبيبي أنا خالتك التي أحبتك.. أنا التي كنت أضمك إلى صدري فأشعر بمهجة قلبي تتناغم وتضحك إليها.. أنا التي كنت أصر على حملك عندما أصبحت قادراً على المشي لتكون أقرب إلى قلبها.. أنا التي هتفت باسمها وأنت في الشهر العاشر فقط..

ويبتسم لها ويشعر أهله أنه يسمع وقد كانوا يظنون غير ذلك..

يا حبيبي لو أن الدماغ يمنح لمنحتك دماغي لتعيش سوياً كباقي أقرانك..

لو أن الروح يفتدى بها لافتديتك بروحي..

ولكن ما العمل وهذه مشيئة الله.. وهل للقلب أن يفرح بعدك؟!.