ليلي

عبد الواحد محمد

[email protected]

داعب بقلمه أوراقه المبعثرة علي سطح مكتبه .. وهو يرتشف من فنجان قهوته المانو .. يقلب ذكريات تلو الذكريات ... يبحر في أعماق مجهولة الشكل والعنوان .. ربما واته الشجاعة بكتابة مذكراته .. في الصيف القادم .. كما كان يخطط .. بهت لونه .. وشعر بحاجته إلي النوم .. تردد .. وأيقن أن الكسل لغو من الشيطان .. فمازال الليل يسطر ساعاته الأولي .. ونداءها يحوم يحوله .. يشجيه ..رغم متاعبه الوظيفية ... عناءه في معرفة عنوانها الجديد .. فراقها الذي دام أعوام ؟

رغما عن أنفه .. ربما تصورته نذلا عظيما !

ومعجون بماء العفاريت .. وحقير .. وأبن سبعين في ستين .. فلا هي تعرف له عنوان .. ورقم هاتف .. وتاريخ ميلاد ..آه ..آه .. هوكده .. وهي عندها حق ... مين ممكن يتصور عذابي لها .. هروبي من لقاءها ... حتى في لقاءاتي المعدودة بها كنت غامضا .. كأنني من كوكب آخر ؟

الكلمة بحساب .. كأنني أتناول طعامي بالشوكة والسكينة ؟

ربما فسرت ذلك بخجلي الفطري ... حمرة وجهي بسبب وبدون سبب ..قلة مواردي المادية في تلك الآونة .. شاب حديث العهد بالحياة .. لاتجربة .. ربما شعرت بأحلامي المضنية .. حاجتي إلي الكتابة كرغبة ملحة .. لاتقاوم .. رغم كل الظروف التي كانت ضد الفكرة من أساسها ؟

تصبب عرقا .. وكأنه في امتحان عسير .. .سقطت بعض قطراته علي الورق .. وهو مازال ممسكا بقلمه .. متكأ علي كرسي مكتبه .. يجرب .. يبحث عن معني مفقود ؟

يتفوه بعبارات متقطعة .. يلعن ضعفه .. يبصق علي الأرض .. فتغرور عيناه بالدموع ... ينظر إلي ساعة معصمه بعصبية .. فتأتي له صورتها من الوجه الآخر ؟

لعلها تقدر شئ مجهول باعد بيني وبينها .. فهي مثقفة .. ولها تجارب ثرية مع الواقع والبشر .. .. هكذا علمتها مهنتها .. ودربتها علي التسامح .. المرونة .. التماس الأعذار غير المنطقية ؟

لعلها سوف تقرأ مذكراتي ذات يوم .. ففيها حقيقة ما خجلت البوح به .. ربما تسامحني .. وتبعث لي علي أبميلي الجديد؟

ستفجر الحقيقة معني لايدركه كثيرون .. وليلي هي كما هي نبع الوجود .. شريان يضخ الدماء في جسدي .. عقلي .. أحلامي التي تحقق بعضها .. والآخر علي وشك أن أهملني العمر في لقاءها

جفف عرقه .. ورتب أوراقه المبعثرة .. وأرتشف مابقي من الفنجان .. وأعاد قلمه إلي درج مكتبه .. ثم أخذ شهيقا وزفيرا .. كأنه أسترد وعيه .. حريته .. حقق شي من وعده لها .. ليقرأ لنفسه بعض من فصول مذكراته المقبلة .. في عقله الباطن .. يحذف .. يضيف .. يغني .. يقفز .. يتفلسف .. يرتمي بين أحضانها يعلن لها براءته من التهم الموجه له .. فهو فارسها ؟

تصفعه بكف يدها البض .. علي وجهه .. صائحة  كفي خداعا .. مازلت تصر علي أكاذيبك .. تبرر كل شئ بمهارة .. أيه فاكرني قديسة العصر .. أمك .. أبوك ..  غبية .. لا ياشاطر .. أبعد عني .. لتناوله بكفها الآخر صفعة أشد ؟

ثم تبكي لترتمي في أحضانه .. تعلن ندمها ؟لقد تأكدت من الحقيقة ؟

كفاحه سنوات من أجلها .. خوفه الأزلي من فقدانها

نهض من فوق كرسيه .. منتشيا .. ليلقي بنفسه بحركة بهلوانية .. علي سريره المجاور .. متمتما بحروفها ل ي ل ي .