أين سَبّابة الحاكم
د.محمد بسام يوسف*
بدأت تظهر علامات التذمّر على وجوه الناس، فكل الأمور في المدينة الجميلة الهادئة.. تسير إلى الأسوأ، وكل ما يقدّمه سكان المدينة من شكاوي.. تذهب أدراج الرياح، أو تبقى حبيسةَ أدراج السيد الحاكم!..
اقترح (سمير) على رفاقه أن يجتمعوا في بيته ليلاً، لينظروا ماذا يفعلون، عَلَّهم يعثرون على حَلٍ لهذا التردّي في الحالة الأمنية، ولانتشار حالات السرقة، ولاعتداء أصحاب الحاكم وجنوده على المواطنين.. فوافق الأصدقاء!..
خلال الاجتماع الليليّ، قرّر المؤتَمِرون أن يطلبوا مقابلة الحاكم، للبحث في أمور المدينة.. لكن بعد سنتين، وصلهم الجواب القاطع :
- لا وقت للسيد الحاكم لبحث أمورٍ هامشيةٍ ثانوية!..
كثرت أعمال السرقة، والنهب، والاعتداء على حُرُماتِ الناس.. واشتدّت حملات الاعتقال، وفَقَدَ سمير نصف عدد أصحابه الذين اجتمعوا في بيته، من غير أن يعرفَ أيَّ شيءٍ عن أخبارهم أو أماكن وجودهم!..
اجتمع النصف الباقي من الأصدقاء في بيت سمير، لكن في النهار هذه المرة، وقرّروا مواجهة السيد الحاكم، ليقدّموا له التحايا، والشكاوي.. حول أوضاع المدينة، التي كانت جميلةً آمنةً سعيدة.. وذلك أثناء إلقائه الخطاب السنويّ في قاعة مُدرّج الجامعة، بمناسبة الذكرى العشرين للقضاء على الحكومة الدكتاتورية السابقة!..
بعد أن أنهى السيد الحاكم خطابَه، استقبل التحايا بوجهٍ باسم، والشكاوي بوجهٍ عابس.. فقال له سمير:
- نحن نعلم يا سيدي، أنّه لا علاقة لكم بكل هذه الفظائع التي يرتكبها عُمّالُك، لكنّ أبناء المدينة وبناتها لن يستطيعوا التحمّل أكثر من ذلك.. سيثورون، وهذا ليس من مصلحتكم، ولا من مصلحة المدينة وأهلها!.. لكنّ السيد الحاكم انتفض واقفاً، غاضباً، مشيراً بسبّابته اليسرى:
- ولماذا الثورة يا أبنائي، كل شيءٍ مقبول منكم إلا الثورة، فإياكم أن تثوروا.. وأعِدُكُم، إن لم تنتهِ كل هذه الاختراقات والانتهاكات لحقوقكم.. أعِدُكُم بأن أقطع.. وراح يتلفّت متفحّصاً جَسَدَهُ، من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى.. ثم التفت شمالاً.. فابتسم، ونظر إلى سبّابته اليسرى متابعاً:
- سأقطع سبّابتي اليسرى هذه.. فاصبروا بعضَ الوقت، وما بعد الصبر إلا الفرج!..
في الذكرى السنوية التالية للقضاء على الحكومة الدكتاتورية السابقة لحكم السيد الحاكم، لم يبقَ من سميرٍ وأصدقائه إلا سمير، لأنهم اختفوا جميعاً.. فجلس سمير أمام شاشة التلفاز وحيداً، ليشاهد السيد الحاكم، وهو يُلقي خطابَه السنويّ، ملوِّحاً بِرَاحَتَيْهِ للجماهير التي تهتف باسمه، وقد بُتِرَت سبّابتاه الاثنتان: اليُمنى، فضلاً عن اليُسرى!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام.