أريد أن أحيا كما أريد

المخرج: يوسف علاري

أريد أن أحيا كما أريد

قال.. وقالوا..

المخرج: يوسف علاري

[email protected]

  أراد الحياة كما يريد …

أرادته الحياة كما تريد …

انتصرت عليه الحياة ولم ينتصر هو على أحدٍ غير نفسه.

قالوا له: أنت شاعرٌ موهوب قد تصبح يوماً شاعراً عظيماً وقد يكتب لك الخلود، ونحن سنكرس  لك كل وسائل إعلامنا، فقط اكتب لنا ما نريد، أو لا تكتب.

قال لهم بصوتٍ خافت: سأحيا مرةً واحدةً .. أريد أن أحيا حياتي كما أريد .. أنا لا أريد الخلود، أنا أريد أن أكتب ما أريد .. وأريد أن أحيا كما أريد.

  قالوا: ماذا تريد غير الذي عرضناه عليك؟

قال: لا أريد شيئاً مما عرضتم، أنا أريد فضاءً، ورغيف خبز، وتكفيني امرأة واحدة أحبها، وأريد       كل يومٍ كتاباً جديداً، وأريد أقلاماً وورقاً لا ينتهي ثم اتركوني وشأني.

قالوا: ستندم.

قال: فليكن، وأنتم ستندمون.

قالوا: نحن لا نخالف القانون.

قال: ولكنكم جاهلون.

قالوا: الجاهل لا يندم.

قال: واجبي أن أعرفكم أنكم جاهلون وأن أعلمكم.

قالوا: نحن نتبع من يطعمنا، لا من يقص علينا قصصاً وشعراً لا يغني ولا يسمن من جوع.

قال: يسرقكم الذين يطعمونكم الفتات.

قالوا: ولكنهم يبتسمون في وجوهنا، فنحن خاصتهم.

قال: ما أسخفكم!

قالوا: ما أحقرك!

دار بينهم حوارٌ طويلٌ وجدلٌ واسع. حاولوا مراراً وتكراراً ثنيه عن رغبته تارةً بالترغيب وأخرى بالترهيب، فلم يفلحوا. حتى أصابهم اليأس.

  قالوا: سنتركك الليلة تفكر بعرضنا، وغداً سترى أنّا بوعدنا صادقون وسنعطيك حتى ترضى بشرط أن تنسى مطلبك الذي سيُهلكك.

قال: لا مطلب لي إلا مطلبي.

  غادروا كوخه الصغير الواقع في طرف القرية، والذي بناه من أشجار الغابة المجاورة،  وذهبوا إلى مدينتهم الثائرة عليه التي نفته بعيداً عن الصحف ودور النشر، لم يتعجب منهم أحد، أو حتى ينتبه إلى صوته الضعيف الذي يكاد يُسمع. كيف استطاع هذا الصوت أن يدوي في أرجاء المدينة ويهز كل مبانيها الضخمة ومن فيها وهو الأعزل من كل شيء، حتى من لحافٍ يقيه صقيع الليل؟!!

  عادوا إليه في اليوم التالي، وبحوزتهم بضع أكياسٍ من الخبز، والبسكويت، والشوكلاتة الفاخرة، وبعض كتب الشعوذة، والمجلات النسائية، وروايات الألغاز والمغامرات، وأربع نساء.

  قالوا له: أتينا لك بما تريد، وأكثر مما تريد ونحن إن شاء الله سنظل كريمين معك.

نظر إلى ما أتوا به وابتسم.

قال: أين الأوراق والأقلام؟

نظروا إلى بعضٍ في قلق وحيرة.

قالوا: وما حاجتك إلى أقلام وأوراق فارغة ولديك أربع نساء متى شئت بدلناهن لك، فالنساء عندنا لا تنتهي أما الأقلام والأوراق فقد انتهت.

ابتسم طويلاً وقال: ارجعوا من حيث أتيتم وخذوا معكم ما جلبتم، فأنا لا أريد إلا ما أريد.

ذهبوا جارين خيبتهم وراءهم.

عادوا إليه في اليوم التالي ومعهم أحد الأئمة ليذكره بالله، وأنه في ضلالٍ مبين، وقف جميعهم حوله صامتين ليتركوا التفاوض معه للإمام.

الإمام: حدثني الوصيُّ بأمر الله بأنه من الممكن أن تنضم إلى قافلة السائرين إلى الله المرضي عنهم في الدنيا والآخرة إذا اغتسلت وصليت ركعتي توبة عمّا قلت في حق جماعتنا المسلمة وأميرها المسلم.

الشاعر مبتسما: وهل سيغفر لي أمير الجماعة؟

الإمام مستدركاً ما قال: الذي يغفر الله، ولكن ما دام الأمير يحكم بأمر الله فقط لا غير فطاعته عبادة.

الشاعر: أواثقٌ أنه يحكم بأمر الله فقط؟

الإمام: ماذا تقصد؟

الشاعر: أقصد هل حقاً لا يحكم بأمر الآخرين؟

الإمام: من هم الآخرون؟!

الشاعر يبتسم : الحاكمون بأمر الله.

الإمام: نعم واثق. فالمؤمنون بالله لا يرجون أحداً إلا الله.

الشاعر: إذا لماذا ترجوني ما دمتم لا ترجون إلا الله.

الإمام: نحن لا نريد منك شيئاً سوى أن تتوقف عن قول ما تقوله في حق أميرنا وجماعتنا المؤمنة.

الشاعر: وإذا لم أفعل؟

الإمام: سيحرقك الله في نار جهنم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

الشاعر: هل ورد هذا في القرآن الكريم أو في حديث شريف صحيح؟

الإمام: نعم ورد.

الشاعر: وهل ذكر اسمي أنا بالذات.

الإمام غاضبا: أستغفر الله. إنك في ضلالٍ مبين.

الشاعر: وأنت عبدٌ لعبد الآخرين.

الإمام: من تقصد بالآخرين.

الشاعر مبتسماً: الحاكمين بأمر الله.

يستشيط الإمام غضباً، يلتفت للذين أتوا به.

الإمام: إني أشهد أنه كفر بالدولة المسلمة.

قالوا: ونحن نشهد.

الشاعر: وأنا أيضاً أشهد.

الإمام: ستندم يوم لا ينفع الندم يوم تلقى في نار جهنم.

الشاعر: ستكون عظامك وقودها.

ولوا عنه مهرولين وكأنهم خائفون من أن يؤذيهم بلسانه السليط.

  جاؤوا إليه في اليوم التالي ومعهم وسيط نزيه .. لكنهم وجدوه مقتولاً بأربع رصاصات؛ واحدة في رأسه من الخلف والبقية في ظهره.

  اتهمتهم الصحف أنهم القتلة.. اتهموا الصحف أنها تعمل لحساب دولة معادية.

أهل القتيل انقسموا إلى فريقين؛ فريقٌ يقف بجانب الصحف وفريقٌ يقف بجانب الدولة.

اشتدت الاتهامات بين الطرفين مما دعى الدولة المعادية إلى التدخل لإصلاح الأمر بينهم عبر الوسيط النزيه. شكروا جميعا الدولة المعادية عبر الوسيط، وانتهى الخلاف بين الصحف وبين الدولة.

  وكلما سأل أحدهم من القاتل؟ أجاب الجميع: ما زال التحقيق في أسباب موته جارياً.