موعد
فيصل نايف أبو قاعود
طالب دراسات العليا / جامعة مؤتة
ما إن طرق ذلك الخبر باب مسمعيه – أنتظرك غداً ، العاشرة صباحاً – حتى بدأت خفقات قلبه ترقص فرحاً ، وروحه ترفرف سروراً بذلك الأمل الذي الذي انتظره مراراً ، وبمرارة ؛ فقد كان بشوقٍ لذلك الموعد منذ أمس طويلٍ.
وما أن أعلنت شمس ليلة الموعد رحيلها مسافرة حتى أشغل نفسه ترتيباً وتحضيراً ، حتى كلماته نالها شي من ذلك الترتيب ؛ فقد أخذ يصففها ، يحدّث نفسه بما قد يدور بينهما من حديث فيختار ويضع كلمات مرة ويبدلها بأخرى ، لا يريد لنفسه أية هفوة.
وما ان فجَّ الفجرُ خيوطه الأولى حتى تراه بدأم معها مرحلة التنفيذ بما خطط له ، وما أن دقت ساعته التاسعة صباحاً حتى سارع إلى حجز مقعدين في المقهى – مكان الموعد المنتظر – عندها بدأ يراقب عقارب ساعته والتي أصبحت حركات سيرها بعينه أشبه ما نكون بخطوات عجوز أثقلتها عتابات الأيام .
ويأتي الموعد وما تأتي صاحبة الموعد ، وما يريد أن يفقد أملاً بقدومها، يبقى منتظراً ونبضات قلبه تتقلب ، وما أن مرت برهة حتى أصدقه أمله وإذا بها تأتي.
جلست أمامه وهو غير مصدق لنفسه؛ فكادت الدنيا تضيق به فرحاً ، ألقت تحية تخالطها نغمة حزن ظنَّ في نفسه أن حزنها اعتذاراً عن تاخيرها ، بدأ بحديث مغموس باعتذارٍ منه عمّأ سبّبه لها من حزن ، كل حديثه وهو ينظر متاملاً في دنيا عينيها التي كلما أمعن النظر يهما رأى حنين الآملين ، وما تحدثت الى الآن شيئاً ، بقيت صامته مستمعة ، تنظر في كلماته والتي لربما لو سمعها من قلبه جلمداً صخراً لوقع عشقاً ، وما إن أنهى حديثه حتى بدأت الحديث وهي تداعب بيسراها ما يحيق ببنصر يمناها ، ظن إنهاقد ربطت نفسها به منذ ذلك اليوم الذي ارتبط فيه قلبه بعيونها عشقاً ، لكن ظنه خالفه هذه المرة ،فهذا المحبس قد حبست به عشق غيره في فؤادها ، ولم يعد له أي متسع في هذا الفؤاد ، عندها ضاقت به الأرض ، استأذنت مغادرة تاركة سكين رحيلها في فؤاده ، يغادر هو أيضاً ، لكن ثمّة فرق بين من يغادر إلى حيث يريد ، ومن يغادر ولا يعلم إلى أي غاية يمضي ؛ فقد طواه الحزن وأسدلت غياهب الآلام ستائرها على غده الذي أصبح مجهولا.
يستقل سيارته ونوافير دموعه تتدفق من ناظريه حتى أغرقت وسادته بماء حزنه ليستيقظ فجأة ، فما وجد نفسه إلا وحيد ، وما من أحد أمامه غير صورتها المثبتة على جدار غرفته ، عندها أخذ ينهل اللعنة وراء اللعنة : لعنة على الموعد ، وأخرى تكاد تصيب صاحبة الموعد ، وثالثة تلقف حظه الرديء الذي لم يفرحه كما لم يصدقه حتى في عالم الأحلام .