اللهم أدمها نعمة

إيمان شراب

[email protected]

حتى متى أجوب البيت طولا وعرضا أنتظر عودته ؟ حتى متى ؟ حتى متى أغفو وأصحو،وأغفو وأصحو وهو خارج البيت؟ حتى متى أضيع أوقاتي في الانتظار؟ الذهن مشتت، والأعصاب متوترة، لا رغبة لي في عمل أي شيء!  الانتظار قتلني،قتل ساعاتي، قتل راحتي،قتل هدوء بالي

الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل ، هاهو يدخل ، أسمع صوت الباب يفتحه.

لقد فرحت بدخوله البيت كما أفعل كل يوم،وحمدت الله لعودته سالما،ولكنني أفور وأغلي منذ ساعات،فكيف أهدأ في ثوان ؟!

قلت في نفسي ، لن أتكلم اليوم، وسأترك الأمور تمضي في سلام...قاومت ، ولكنني لم أستطع، فحاولت أن أحسن اختيار كلماتي على الأقل.

فقلت بكل نعومة وهدوء: انتظرتك طويلا .

فقال بكل خشونة وغلظة: ولماذا تنتظرين؟

قلت: اشتقت إليك .

قال: ولماذا الشوق، ألم نكن اليوم معا على الغداء؟

قلت: سامحك الله ! وقت طويل،  بل ساعات طوال وأنا أنتظر عودتك لأتحدث معك في أمور كثيرة.

قال صادا: أرجوك ليس هذا وقت الحديث أو الحوار.

قلت هادئة: حسنا أعطني موعدا نلتزم به سويا لنتناقش في كثير من المواضيع المعطلة .

قال: غدا أو بعد غد. أيّ وقت غير هذا الوقت، فأنا الآن متعب وأريد أن أنام.

عدت وقلت: اتصلت والدة مازن ، تسأل عنه تظنه قد سهر عندنا.

قال: هه ! تظنين نفسك ذكية؟ تريدين أن تعرفي أين كنت؟

أجبت: أعرف . مع أصدقائك.

قال: مادمت تعرفين، لماذا تديرين مفتاح الشركلما دخلت إلى المنزل؟ لماذا لا تخرسين لأنام.؟

هززت رأسي وأنا أقول: حسنا سوف أخرس.

لم يأبه وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لايكاد يمر يوم دون أن تجعلي للشر مكانا في البيت !

كانت هذه آخر كلمات انتهى بها شجار ذلك اليوم ، هذا الشجار الذي بدأ منذ سنوات، منذ أن تعرف زوجي حازم على هذه الثلة من الأصدقاء! إنهم يجتمعون أكثر أيام الأسبوع يلعبون الورق وينفخون الدخان، ويتناولون عشاءهم خارج بيوتهم لاتهمهم زوجات ولا أمهات ولا أبناء .

شجار المرة الخيرة كان قاسيا على قلبي ،بل على كل ذرة مني. صعبت علي نفسي كثيرا، فخرجت من الحجرة وبكيت كثيرا ، حتى لم أعد أقدر على بكاء أكثر.

تنا ولت المصحف، قرأت وقرأت ، ومع كل آية أقرؤها أحس  بضعفي  وبحاجتي إلى منزل هذه الآيات أن يلهمني الصواب لأحسن التصرف، فأعيد زوجي كما كان شهما عالي الأخلاق يحب بيته .

آيات كثيرة دعت إلى التأمل ، التأمل؟ نعم، لم لا؟

هدأت، وعاد لي عقلي، فأخذت أتأمل...لم يكن زوجي هكذا ! إن أصحابه هم سبب البلاء...ولكنني أنا أيضا تغيرت ...إن أسلوب المحاسبة والشجار لم  يجد !! حوّل حياتنا إلى جحيم....

قررت أن أعيش حياة هادئة، فلم أعد أهتم لتأخره،لا أسأله متى ستعود أو متى عدت،يعود إلى البيت فيجدني أغط في نوم عميق وقد أتظاهربذلك، أقوم بواجباتي كاملة نحوه أتعامل ببرود مع كل أخطائه.

 حتى كان يوم استيقظت عليه وهو يهزّني بعصبية: نهار..نهار..استيقظي .

صحوت من نومي مذعورة وسألته عن الساعة .

فقال: إنها الرابعة فجرا.

قلت: لم يؤذن الفجر بعد، لماذا توقظني؟

قال بعصبية أكثر: استيقظي لو سمحت .

جلست ، ووضعت كفي أسف ذقني وقلت: نعم!!

قال: من أين لك هذه الأشياء؟

قلت: اشتريتها.و فكرت مدة ثانية وأضفت: ولكن ذلك منذ فترة!

قال بغضب وريبة: ولكنني لم أر منها شيئا عليك!!

لم أجب .

فصرخ: أجيبي !

قلت: ألبسها ولكنك لا تكون في البيت لتراها!

وضع أمام وجهي عطرا رجا ليا وقال: ولمن هذا؟

سكتُّ ثانية وأجبت: لأبي.

قال متهكما : وما المناسبة؟

قلت ببرود: عندما أحسست بحاجتي إلى من أتحدث إليه،ومن لديه القوة والحب والأمان ،وجدت أبي؛ فأحببت أن أهديه.

قال وهويهزّني: عجيب ! وأنا لا تجدين لديّ ذلك ؟

قلت: لاأظلمك، قبل سنوات نعم، حتى أنني استغنيت بك عن كل الناس .

قال: عدت لأصحابي؟

قلت: لا، أبدا، فلم يعد يهمني الموضوع في شيء...الحمد لله تخلصت من هذه العقدة وأصبحت لي صداقاتي واهتماماتي.

قال: وإذا منعتك من الخروج؟

قلت ببرود: إذ مارست هذه السلطة ؛ فسأكون مضطرة بكل أسف أن تكون لي حياتي الخاصة.

قال وقد وضع الشر كله أمام عينيه : ماذا تقصدين؟ ما الحياة الخاصة التي تقصدينها؟ سأمنعك، سأسجنك !!

قلت: غريب ما تقوله يا زوجي ! ألك سلطة عليّ إذا انفصلنا؟

قال كالمصدوم: ننفصل؟ إنك تمزحين !!

قلت: هذا موضوع خطير لامزاح فيه . وماذا تظن ؟ أنا امرأة...أنثى أتمتع بالشباب والحيوية والجمال والمواهب والذكاء ...ما الذي يجبرني على هذه الحياة؟

قال: أنا .

قلت: كيف؟ بالسلطة؟!

قال: وأبناؤك؟

قلت: هم أبناؤك أيضا !

سكت قليلا، وعاد يسأل: تهددين؟!

قلت وقد نفد صبري: لا والله. ولآن هل أعود للنوم؟ لقد أقلقتني !

 في اليوم التالي ، في وقت الأصدقاء، وجدته التزم البيت. فرح به الأبناء أّيّما فرح! خرجوا سويا ،وبقيت في البيت لأنني رفضت الخروج .

 لم يتأخروا، فتح الباب بشكل مفاجئ – ربما لشيء في رأسه – فوجدني في أبهى زينة....و شموع ...وورود...وكعكة كبيرة .

رن محموله،فسمعته يقول: لا، اليوم أنا متعب، ثم إنني تعبت من كثرة السهر، فلتكن سهرتنا مرة في الأسبوع.

سكت قليلا يستمع، ثم قال: نعم هي إلى جواري، وأنا رجل رغما عنكم، وإن لم يعجبكم ذلك فلا لقاءات البتة !.

ابتسمت ابتسامة لم يرها وقلت قولا لم يسمعه : اللهم أدمها نعمة .