عنفوان
ألملم نفسي وألوم يومي والأمر هو الأمر لا يتغير . تتباطؤ الدقائق وتتمطى الثواني ويتثاءب الزمن فكأن الذي يمشي على الأرض في بلدي ليس كأئنا يذكر ولا إنسانا يعتبر .
في حصاد عمر الشعوب لا يوجد من يلوذ أو يلوذ به .أسعى كغيري والأمر يتربع فوق بلاط شائك أو سقف صفيح ساخن . الطريق مرسومة بالآهات والترهات والمثالب في كل مكان.
هذه حياتي قالها رجل سكن المقهى كما وكيفا يتلصص على صحيفة من يجلس بجانبه . ومرة أو مرات يستحي منه صاحب الصحيفة فيرميها له قبل أن ينهي مطالعاته .
أتعجب منه فهو صامت إلا من نداء النادل ليحضر كأس الشاي أو فنجان القهوة.
فنجان قهوتي وبخاره يحكي كل يوم حكاية أو ينشد شعرا أو يصمت بخبث. حيث عودني هو عشقا لا يتركني حتى أشربه مرات عديدة أو يعاتبني كلما شعر بأنني ارتشفته حتى الثمالة.
خرجت الى المقهى هذا المساء على غير هدى لأنني قد حصلت على التقاعد إنها مناسبة محزنة وفيها نسيج من الفرح وخيوط باهتة لا لون لها في تصوري الحياة المقبلة
شباب ذبل وشيخوخة تنادي فلا أعيرها اهتماما فأنا حائر في مستقبل سيفرض علي الكسل مع احتفاظي بعنفوان جسدي رغم السنين الستين .
أولادي بعد هذا العمر ثلاثة أكبرهم حاصل على الماجستير في تقنية المعلومات ويتسكع في الشارع ليبحث عن عمل بل ليقول لم أنجبتني يا والدي؟
والثاني هاجر للخارج وهو يعمل براتب لا يكفي أسرته والثالث ترك الدراسة لعجزي عن دفع أقساط المدرسة الأهلية .
عندما كنت في الدراسة الثانوية حصلت على وظيفة مدقق في الصحف الأهلية بدوام من السادسة مساء حى منتصف الليل ودخلي كان يكفيني ويمكننيبق
من مساعدة والدي ليرعى بقية أخواني
إن الحصول على الوظيفة بعد التخرج لم يدم إلا شهرا واحدا وكنت بعدها موظفا في دائرة حكومية عن طريق المسابقة النزيهة وقد توافرت وتساوت الفرص .
عصر الغرائب المثلوب يتهاوى كل يوم والدهر يعارض التطلعات والأمال . والفرص نادرة إلا من حالفه الحظ لمعرفة رجل يساعده على تخطي الآخرين
والكل يتأوه ويحكي قصص الآهات سواءعاشها أو سمع بها . السفينة بربانها والأمم بحكامها والبحر (بحر الحياة واحد)
لي صديق جاء مكتبي يوما ليطلب عملا فوعدته بسؤال بعضأصحاب العمل فرأيت على وجهه كلمات مرسومة بحبر أسود وقد أخرج علبة السجائر الفارغة
متظاهرا بأنها ملآى أو أنه العلبة الجديدةفي البيت ,وسرعان ما طلبت من المساعد شراء علبة سجائر له
ولما عاد وضعتها في كيس مع بعض مئات من النقود الورقية ثم تأبطت ذراع صديقي وقلت له إن حرمي مدعوة على الغداء عند صديقتها بمناسبة خطبة أختها الصغرى
أولادي الثلاثة يعملون في شركات بوظائف بسيطة لا تمت بصلة لأختصاصات شهاداتهم ورواتبهم لا تكفي لولا ما يأخذونه من جيبي بواسطة أمهم
التي تدك رأسي دائما بأن رواتبهم لا تكفي أسرهم
هل أصيح وإن صحت من سيسمعني وإن كتمت في نفسي وتضايقت ربما أخذوني لطبيب نفسي .
ألأباء مهزومون في العصر الحاضروقد تكالبت عليهم الهموم بالمعلوم واللامعلوم,واللامفهوم
إن الساعات تتراكض متعاكسة بعضها يعض بعضا وأنا بين اسنانها . هل أهرب من حيرتي أو من ليل بلا نهار في درب شبه مستدير أطحن
في نفسي وأخبز في همي وغمي بتسكع أحفادي وبلجاجة أمهاتهم .
ماضي الأيام كان مفتوحا وسمحا وحاضرها يتلمظ ويتنهد متحسرا علينا . قلت في نفسي طالما أنك عملت في الصحافة حاول أن تكتب وأن تغمس
ريشتك في مداد الحوادث المتناحرة والمتعاقبة.
فرحنا بالفضائيات لمدة وجيزة وما لبثت أن امتلأت بالأخبار المحزنة والمؤلمة . القتل شاع في الشوارع فلا تدفع دية لورثة القتيل ولا يحاكم القاتل والمؤتمرات كثرت ولم
نشاهد سوى أجسام الزعماء يصطفون كتلاميذ المدارس أمام عدسات التلفاز والكثير منهم يصرح بوعود سرعان مايضها بدروج ذاكرته ,والعالم ينام ويصحو على أخبار
المناوشات والحروب الحدودية والسيارات المفخخة والضائقة الإقتصادية وووو .... والعالم انقسم الى زوايا محدودبة عرجاء وكتل أممية بين العالم الأول والثاني والثالث الخ.
مظاهرات الماضي كانت مهذبة ترفع شعارات وتسير صامتة ثم انقلب الأمر وما لبثنا أن رأينا المظاهرات تعج بالحجارة والزجاجات الفاؤغة أو الملآى بالمحروقات وبالمقابل
اصبح الجواب الرسمي رصاص وسجون ثم نهب المحلات وإحراق السيارات وهدم البيوت ودور العبادة وقلبي يبكي وقول يا بشر أقلوبكم من حجر؟؟؟
وقد عمت العالم أجمع يا ويلاه . ثم الحروب الطائفية والعرقية واللونية .
الحساب النفسي
قارعت نفسي وحاسبتها وبادلتها اللوم والنصائح ولكني كنت انسحب كل ليلة خائبا لا تتحملني وسادتي ولا أطيق مرقدي.
وإذا عدت الى خصوصية حياتي وجدتني حجرا صغيرا تتقاذفه المياه المتكسرة بين ضفاف التناحر والتباغض بدل الوفاق والتألف
هذه قصة من مسلسل ابخرة ودخان الذي نشرتها في الصحف الدمشقية في ستينات القرن الماضي.
وسوم: العدد 623