معان مختلفة للغنى والفقر
في بلدة متواضعة تعيش امرأة وطفلها الوليد في غرفة على سطح احدى البنايات القديمة المتهالكة لا يملكون من متع الدنيا سوى فراش قديم قدم التاريخ لا فرق بين سطحه والأرض التي يمتد فوقها إلا القليل ولحاف تحتاج الأم وقتا طويلا كل يوم لتجميع اجزائه المتناثرة فوقها وفوق رضيعها كي يقدم لهما شيئا من دفء
المطر في بلدتهم قليل إلا من زخات نادرة قصيرة وسريعة ، غرفتهم ليس فيها مصباح يستضيؤن به في عتمة الليالي فقد كفتهم نجوم السماء بأشعتها التي تنساب للبيت الذي لا سقف له ما يغنيهم عن مصباح الكاز الذي اندم وجوده بعدما غرقت الدنيا بنور الكهرباء ولا يشعرون بحاجة النور إلا عندما تتلبد السماء بالغيوم
على غير المألوف والعادة ، سمعت الأم وهي تخدم البقال القائم في اسفل العمارة المجاورة أن الأرصاد الجوية أنذرت المواطنين بهبوب عاصفة هوجاء يرافقها مطر غزير يستمر طويلا ليستعد الناس للمفاجآت
في هذه الحياة الضنك والشقاء المستمر في حياة المرأة وطفلها مضت أربع سنوات عجاف ليس للمرأة إلا طفلها وليس للطفل إلا أمه مصدر علمه وثقافته هرعت إليه تخبره بما سمعت وتجهزه نفسيا للمتوقع من العاصفة الهوجاء
كان المطر غزيرا ليس كعادته فيما مضى من عمرهما وكان على الأم أن تحمي طفلها من مطر فتحت أبواب السماء كرمها تغرق فيه أطراف البلدة المتواضعة ، واحتارت الأم الملهوفة على وحيدها تحاول حمايته من شلال المطر الغزير فحملت ثوبها القديم وعلقت قبته في طرف الباب الذي يئن كلما تحرك يمينا أو شمالا وربطت ذيله بخيط قديم تحتفظ به معلقا على الحائط منذ زمن طويل وجعلت من ثوبها خيمة أدخلت وحيدها تحتها تجنبه ما لا يعلم نهايته إلا علام الغيوب
علق الطفل البريء على نعمة الخيمة قائلا : ماذا يفعل من ليس عنده خيمة مثلنا إننا في نعمة كبيرة وخير كثير.
وسوم: العدد 628