حلم حصان اسمه سيف
أزعجه ما بدا عليه حصانه من كآبة وانكسار ، فرمي بقية سيجارته ، وافترب منه .
سأله : ما بالك حزينا اليوم ؟! نسيت أن وراءنا أعمالا وأحمالا ؟!
فرفع الحصان رأسه الأغر الجبهة ، ورمق سيده ، وعاد يأكل مما في المعلف المستطيل من تبن وشعير .
أعاد أبو أحمد سؤاله مجاهدا لكتم غضبه : جاوبني ! ما لك عابسا حزينا ؟! ماذا ينقصك ؟! خيول كثيرة تتمنى نعمة عيشتك .
رفع الحصان " سيف " رأسه ، وأطال نظره إلى سيده ، ورمي الأفق الأشجر بعينيه ، وعاد يتأمل سيده لثوانٍ ، وقال : رأيت في بارحتي حلما .
فسأله أبو أحمد متوجسا : حلمت ؟
_ نعم .
_ بم حلمت ؟
_ بأن على ظهري فارسا يحمل راية وسيفا .
_ يعني سيف يركب سيفا . عجيب حلمك .
_ ليس عجيبا .
_ أقول عجيب ، وتقول ليس عجيبا . لا تترك عنادك وحبك للمخالفة .
_ لست مثلما تقول .
_ ما لون الراية ؟ وماذا يفعل الفارس بالسيف ؟
_ خضراء ، ومكتوب عليها بخط ذهبي " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، وتحت الكلام السابق مكتوب " وحدة المسلمين حياة، وفرقتهم موت " .
_ كلام صحيح ، حق . إسلامنا ، ديننا ، يقول هذا . لم تخبرني ماذا يفعل الفارس بسيفه .
_ اندفعنا معا ، وكلما وصلنا جماعة من المسلمين يقتتلون أمرهم الفارس في صوت مرعد مبرق : اقرؤوا ما على الراية !
وفي لمحة البرق يتوقفون بعد قراءتها عن الاقتتال كأنهم ما اقتتلوا من قبل ، ويتعانقون باكين مستغفرين .
واصلنا اندفاعنا . لم أكن أجري ، كنت طائرا في الهواء ، وانبثق من صدري صوت لم أعرفه من قبل ، سألت الفارس عنه ، فاستغرب سؤالي ، وقال لي متعجبا : تجهل صوتك ؟! هذا صهيل . فأخبرته بأنني لم أعرف إلا النخير والزحير وأنا أجر العربة المثقلة بأكياس الإسمنت في صعدات الطرقات وحر الشمس. وعجبت لحظتها كيف سميتني " سيف " ، ولم تسمني " إسمنت " . " سيف " فيه سخرية فظة مني . دعنا من الاستطراد ! واصلنا اندفاعنا ، بل طيراننا ، وحدث مع كل جماعة ما حدث مع أول جماعة بلغناها حتى ما عدنا نجد مسلمين يقتتلون .
_ حلم جميل والله ، ما كان يجب أن تحزن في صباحه .
_ انتظر باقي كلام !
_ كمل !
_ بعد أن عاد السلام والوحدة للمسلمين بدل الفارس بالراية الأولى راية جديدة مكتوبا عليها " إلى فلسطين ! إلى الأقصى ! " .
_ عظيم ! عظيم ! ماذا فعلوا ؟!
سالوا وراءنا يرعدون زحوفا ويلمعون سيوفا ، وفجأة سطعت راية بيضاء فوق الأقصى مكتوب عليها بذهب وهاج كأنه بدر التم في سماء صافية الوجه " الله أكبر ! فلسطين حرة ، الأقصى حر " .
_ حلم سعيد . كيف تعبس وتحزن بعده ؟!
_ لأن الفارس الموحد المحرر ليس موجودا الآن . ألم أقل لك إنني حلمت به وبأفعاله ؟!
وعاد سيف يعتلف بادي الحزن ، وغشي وجه صاحبه سهوم وتفكير .
وسوم: العدد 632