عيروض وجمهورية فاسكونيا

د. محمد أبو زيد الفقي

في نومي جاء عيروض الجني ووجدني حزينا وسألني ما سبب حزنك ؟

 قلت : يا عيروض هموم العرب .

قال : لا تحزن سأحدثك عن مهزلة حدثت عام 70 ق م  (قبل الميلاد ) ، في جمهورية فاسكونيا  بالهند  وفي جامعة - كان كان - وهى فرع من مؤسسة دينية تحمل نفس الاسم  ، والمسئول الأعلى للمؤسسة يسمي الرجل الصالح ولكنه أحيانا لا يحالفه الحظ في اختيار معاونيه ، وهو الذي يختار المناصب في  المؤسسة سواء في المدارس أو الجامعة ، ورئيس جمهورية فاسكونيا ، يسمى المختار ، وهذه المؤسسة تحظى باحترام داخل جمهورية فاسكونيا وخارجها خاصة من أعداء فاسكونيا .

قلت: كيف يحترم العدو مؤسسة تحافظ علي دين أعدائه ؟

قال : إن عمل المؤسسة يقوم علي شغل الناس بأمور ما بعد الموت ولا يحفزِّهم علي بناء حضارة وصناعة وقوة ، فمن هذه الزاوية يحبُّها الأعداء ، وكلما جاء زائر لجمهورية فاسكونيا زار المؤسسة  وأشاد بها كي تستمر هذه المؤسسة في أسلوبها القاتل للحضارة ، ولكن أهل فاسكونيا لا يفهمون شيئا من كل هذا ، مع أنهم يعرفون أنه منذ تاريخ ظهور مؤسسة الـ [كان كان ] وأحوال فاسكونيا تتدهور ، و أحوال جمهوريات سكسونيا المجاورة تتدهور أيضا .

 قلت : لماذا ؟

قال: لأن معظم من يُطلق عليهم علماء في هذه المؤسسة لا يعرفون شيئا عن عناصر الحضارة وأشاعوا بين الناس مذهبا عجيبا  ، أن الله يفعل كل شيء وليس للإنسان إلا أن ينتظر رزقه  وسيأتيه حتى  لو طار في الهواء سيطير خلفه ، ولا يعرفون أن الله تعالي يحتقر الكسول والمتسول ، والنصاب والدجال ، وكل الفئات التي تعيش علي الضحك علي نفسها أو علي الناس .

 قلت : وماذا حدث للمؤسسة الهندية  في سنة 70 قبل الميلاد ؟

 قال: رشح الرجل الصالح  أحد الأشخاص، وكان يعمل قبل ذلك مخبرا للأمن ضد زملائه، ليكون رئيسا لجامعة [ كان كان ] وفي أول ظهور له أمام الناس وعلي الهواء [ كانت لديهم قنوات فضائية أيامها ولكن كانت تعمل بالسحر]

سأله المذيع:  ماذا ستفعل مع الأساتذة الذين يعارضونك ؟

 قال : جُمار مُهرة  وهذا هو اسمه : اللي يحترم جامعتنا يأكل فرختنا  واللي ما يحترمش جامعتنا  يُطرد ويُحرم من فرختنا ، ولن يعود حتى لو باس جزمتنا ، وكل واحد في الجامعة إن كان يريد أى منصب لابد أن يحضر إلي مكتبي ويبوس القدم ويبدي الندم علي غلطته في حق الغنم .

تعجب الناس من صفاقة جمار مهرة  ووضاعته  وحقارته، وقالوا: هل يمكن أن يقول  رئيس جامعة دينية مثل هذه الألفاظ عن زملائه من الأساتذة، وبينهم كثير من الأفاضل !؟

 وفي لقاء آخر مع قناة أخرى سألوه عن علاقته بزوجته مهرة؟

فقال :  علي أحسن ما يكون وقد قسمنا العمل بيننا فهي عليها الطَّبخ وأنا عليَّ غسل آواني الطبخ ، وأترك الجامعة أحيانا وأذهب للبيت لغسل آواني اليوم السابق ، إذا هي طلبت ذلك .

 وفي اجتماع لمجلس جامعة [ كان كان ] قال جُمار مُهرة : ليعلم الجميع أنني  صناعة  زوجتي مهرة، وهنا صار هرج ومرج شديد، واحتجاج سري وعلني  حتى وصل الأمر إلي رئيس فاسكونيا ، فعقد مجلسا مكونا منه ومن القاضي شملول  ومساعديه ، زغلول ، ومشلول ، وهؤلاء يشكلون مجلس الحكم في الولاية . وأستدعي المجلس رئيس الجامعة :

 وقال المختار: أنت لم تكن أفضل أستاذ في الجامعة ولكناّ عيناك بسبب خدماتك الأمنية، فكيف تُهِين زملائك علي الهواء أمام كل العالم ؟

قال جُمار مُهرة: هؤلاء لا يهمهم كرامة ولا غيرها  ، وكل ما يهمهم في الحياة هو جمع المال فقط ، فمن يرغب في الغني والعز يحترم نفسه ، ولا يتكلم في أى أمر من الأمور .

 قال المختار : هذا ينطبق علي بعضهم ولا ينطبق علي الكل وقد فضحتنا في العالم ، وجاءني أكثر من احتجاج من جمهوريات سكسونيا المجاورة ، وهذه غلطة [أولي ]، ثم طلب من القاضي شملول تسجيل هذا الخطأ .

وقال المختار : في لقاء آخر ، قلت إنك تترك الجامعة وتذهب لغسل أوعية الطعام بدلا من زوجتك ، وأنت يا جُمار مُهرة  رئيساً لجامعة بها أربعين كلية علمية وغير علمية ، وبها خمسين مركزا للعلاج ، وعشرين مركزا للأبحاث العلمية ، وبها عشرات الآلاف من الأساتذة ومئات الآلاف من الطلاب والطالبات ، كيف تستطيع أن تستقطع هذا الوقت من عملك يومياً ، وأمامك الاجتماعات ، والمقابلات  وزيارة الرجل الصالح مرتين في اليوم لتقبيل يده ؟ كيف تجد وقتا بعد ذلك لغسل الآوانى والأطباق ؟ ، ولماذا لم تستأجر شغَّالة تقوم بهذا العمل  وتفتح لها بابا للرزق ؟

أنت رئيس جامعة تافه ولا تملك قدرات لإدارة محل بيع أحذية.

وقد تزوجت مهرة من أجل راتبها وجمعت معها أموالا لا حدود لها ، ومع ذلك

لا تريد دفع أي مبلغ لمن يقوم مكانك بالطبخ . لقد فضحتنا في العالم ، سجل يا قاضى شملول  : [ هذا خطأ ثان ] .

 ثم قال المختار :   الخطأ الثالث أنك قلت للناس : إنك من صناعة زوجتك مهرة ، ومهرة لم تُعرف بالذكاء في حياتها ، وليس لها كتاب ينفع أهل فاسكونيا ،

 ولا غيرها  إذن أنت غبي يتعلَّم من غبية .

 سجل يا قاضى شمول  [الخطأ الثالث  ].

 وأمر المختار شملولا  أن يأخذ مساعديه وأن يحكم علي رئيس الجامعة .

 ــ دخل القاضى شملول حجرة داخلية ومعه مساعداه ، زغلول ، ومشلول  وقضوا ساعة ثم خرجوا ، وأعلنوا حكمهم للمختار في وجود رئيس الجامعة جمار مهرة 

وقالوا : لقد درسنا الأخطاء  ووجدنا بعد إذن سيادتكم ــ أن عزله أصبح واجبا ، لأنه عار علي الجامعة  وعلي فاسكونيا ، ولابد من عقابه .

  لقد نظرنا إلي جسده وشكله وعقله ، فوجدنا أنه لا يصلح لشيء ، إلا أن يعمل ماسحا للأحذية في محطة قطارات مومباي ، في أكشاك خدمة الشعب .

 فقال المختار : هل توافق يا جُمار  علي الحكم ؟

قال جمار: أوافق  ، ولكن ألتمس أن تكون مهرة معي ، لأنها ستنظم لي ألوان صبغة الأحذية .

 قال المختار : حتى هذه لا تعرف أن تقوم   بها بدون مهرة !؟ إننا يجب أن نسميك حُمار مهرة  وليس جمار مهرة .

 قلت : وماذا حدث  بعد ذلك يا عيروض ؟

قال : بقي يعمل ماسحا للأحذية ومعه زوجته وفي يوم من الأيام  وهما يسيران  علي شريط القطار  دهسهما القطار القادم من مدينة دلهي  وماتا في عام 50 ق م ، ولم يحضر جنازته إلا بعض المتطوعين  لأنه عاش ، حقيرا ومات محتقرا.

 قلت : يشغلني اسم جُمار مُهرة.

 قال : الناس في فاسكونيا يتركون لأي موظف كبير أن يختار اسما لزوم الوظيفة ، وجمار لم يوافق علي اسم أبيه أو اسم أمه لأنه كان من أسرة فقيرة فاختار اسم زوجته مُهرة  وظل عليه حتى مات.

وسوم: العدد 632