عيروض وجمهورية فاسكونيا
في نومي جاء عيروض الجني ووجدني حزينا وسألني ما سبب حزنك ؟
قلت : يا عيروض هموم العرب .
قال : لا تحزن سأحدثك عن مهزلة حدثت عام 70 ق م (قبل الميلاد ) ، في جمهورية فاسكونيا بالهند وفي جامعة - كان كان - وهى فرع من مؤسسة دينية تحمل نفس الاسم ، والمسئول الأعلى للمؤسسة يسمي الرجل الصالح ولكنه أحيانا لا يحالفه الحظ في اختيار معاونيه ، وهو الذي يختار المناصب في المؤسسة سواء في المدارس أو الجامعة ، ورئيس جمهورية فاسكونيا ، يسمى المختار ، وهذه المؤسسة تحظى باحترام داخل جمهورية فاسكونيا وخارجها خاصة من أعداء فاسكونيا .
قلت: كيف يحترم العدو مؤسسة تحافظ علي دين أعدائه ؟
قال : إن عمل المؤسسة يقوم علي شغل الناس بأمور ما بعد الموت ولا يحفزِّهم علي بناء حضارة وصناعة وقوة ، فمن هذه الزاوية يحبُّها الأعداء ، وكلما جاء زائر لجمهورية فاسكونيا زار المؤسسة وأشاد بها كي تستمر هذه المؤسسة في أسلوبها القاتل للحضارة ، ولكن أهل فاسكونيا لا يفهمون شيئا من كل هذا ، مع أنهم يعرفون أنه منذ تاريخ ظهور مؤسسة الـ [كان كان ] وأحوال فاسكونيا تتدهور ، و أحوال جمهوريات سكسونيا المجاورة تتدهور أيضا .
قلت : لماذا ؟
قال: لأن معظم من يُطلق عليهم علماء في هذه المؤسسة لا يعرفون شيئا عن عناصر الحضارة وأشاعوا بين الناس مذهبا عجيبا ، أن الله يفعل كل شيء وليس للإنسان إلا أن ينتظر رزقه وسيأتيه حتى لو طار في الهواء سيطير خلفه ، ولا يعرفون أن الله تعالي يحتقر الكسول والمتسول ، والنصاب والدجال ، وكل الفئات التي تعيش علي الضحك علي نفسها أو علي الناس .
قلت : وماذا حدث للمؤسسة الهندية في سنة 70 قبل الميلاد ؟
قال: رشح الرجل الصالح أحد الأشخاص، وكان يعمل قبل ذلك مخبرا للأمن ضد زملائه، ليكون رئيسا لجامعة [ كان كان ] وفي أول ظهور له أمام الناس وعلي الهواء [ كانت لديهم قنوات فضائية أيامها ولكن كانت تعمل بالسحر]
سأله المذيع: ماذا ستفعل مع الأساتذة الذين يعارضونك ؟
قال : جُمار مُهرة وهذا هو اسمه : اللي يحترم جامعتنا يأكل فرختنا واللي ما يحترمش جامعتنا يُطرد ويُحرم من فرختنا ، ولن يعود حتى لو باس جزمتنا ، وكل واحد في الجامعة إن كان يريد أى منصب لابد أن يحضر إلي مكتبي ويبوس القدم ويبدي الندم علي غلطته في حق الغنم .
تعجب الناس من صفاقة جمار مهرة ووضاعته وحقارته، وقالوا: هل يمكن أن يقول رئيس جامعة دينية مثل هذه الألفاظ عن زملائه من الأساتذة، وبينهم كثير من الأفاضل !؟
وفي لقاء آخر مع قناة أخرى سألوه عن علاقته بزوجته مهرة؟
فقال : علي أحسن ما يكون وقد قسمنا العمل بيننا فهي عليها الطَّبخ وأنا عليَّ غسل آواني الطبخ ، وأترك الجامعة أحيانا وأذهب للبيت لغسل آواني اليوم السابق ، إذا هي طلبت ذلك .
وفي اجتماع لمجلس جامعة [ كان كان ] قال جُمار مُهرة : ليعلم الجميع أنني صناعة زوجتي مهرة، وهنا صار هرج ومرج شديد، واحتجاج سري وعلني حتى وصل الأمر إلي رئيس فاسكونيا ، فعقد مجلسا مكونا منه ومن القاضي شملول ومساعديه ، زغلول ، ومشلول ، وهؤلاء يشكلون مجلس الحكم في الولاية . وأستدعي المجلس رئيس الجامعة :
وقال المختار: أنت لم تكن أفضل أستاذ في الجامعة ولكناّ عيناك بسبب خدماتك الأمنية، فكيف تُهِين زملائك علي الهواء أمام كل العالم ؟
قال جُمار مُهرة: هؤلاء لا يهمهم كرامة ولا غيرها ، وكل ما يهمهم في الحياة هو جمع المال فقط ، فمن يرغب في الغني والعز يحترم نفسه ، ولا يتكلم في أى أمر من الأمور .
قال المختار : هذا ينطبق علي بعضهم ولا ينطبق علي الكل وقد فضحتنا في العالم ، وجاءني أكثر من احتجاج من جمهوريات سكسونيا المجاورة ، وهذه غلطة [أولي ]، ثم طلب من القاضي شملول تسجيل هذا الخطأ .
وقال المختار : في لقاء آخر ، قلت إنك تترك الجامعة وتذهب لغسل أوعية الطعام بدلا من زوجتك ، وأنت يا جُمار مُهرة رئيساً لجامعة بها أربعين كلية علمية وغير علمية ، وبها خمسين مركزا للعلاج ، وعشرين مركزا للأبحاث العلمية ، وبها عشرات الآلاف من الأساتذة ومئات الآلاف من الطلاب والطالبات ، كيف تستطيع أن تستقطع هذا الوقت من عملك يومياً ، وأمامك الاجتماعات ، والمقابلات وزيارة الرجل الصالح مرتين في اليوم لتقبيل يده ؟ كيف تجد وقتا بعد ذلك لغسل الآوانى والأطباق ؟ ، ولماذا لم تستأجر شغَّالة تقوم بهذا العمل وتفتح لها بابا للرزق ؟
أنت رئيس جامعة تافه ولا تملك قدرات لإدارة محل بيع أحذية.
وقد تزوجت مهرة من أجل راتبها وجمعت معها أموالا لا حدود لها ، ومع ذلك
لا تريد دفع أي مبلغ لمن يقوم مكانك بالطبخ . لقد فضحتنا في العالم ، سجل يا قاضى شملول : [ هذا خطأ ثان ] .
ثم قال المختار : الخطأ الثالث أنك قلت للناس : إنك من صناعة زوجتك مهرة ، ومهرة لم تُعرف بالذكاء في حياتها ، وليس لها كتاب ينفع أهل فاسكونيا ،
ولا غيرها إذن أنت غبي يتعلَّم من غبية .
سجل يا قاضى شمول [الخطأ الثالث ].
وأمر المختار شملولا أن يأخذ مساعديه وأن يحكم علي رئيس الجامعة .
ــ دخل القاضى شملول حجرة داخلية ومعه مساعداه ، زغلول ، ومشلول وقضوا ساعة ثم خرجوا ، وأعلنوا حكمهم للمختار في وجود رئيس الجامعة جمار مهرة
وقالوا : لقد درسنا الأخطاء ووجدنا بعد إذن سيادتكم ــ أن عزله أصبح واجبا ، لأنه عار علي الجامعة وعلي فاسكونيا ، ولابد من عقابه .
لقد نظرنا إلي جسده وشكله وعقله ، فوجدنا أنه لا يصلح لشيء ، إلا أن يعمل ماسحا للأحذية في محطة قطارات مومباي ، في أكشاك خدمة الشعب .
فقال المختار : هل توافق يا جُمار علي الحكم ؟
قال جمار: أوافق ، ولكن ألتمس أن تكون مهرة معي ، لأنها ستنظم لي ألوان صبغة الأحذية .
قال المختار : حتى هذه لا تعرف أن تقوم بها بدون مهرة !؟ إننا يجب أن نسميك حُمار مهرة وليس جمار مهرة .
قلت : وماذا حدث بعد ذلك يا عيروض ؟
قال : بقي يعمل ماسحا للأحذية ومعه زوجته وفي يوم من الأيام وهما يسيران علي شريط القطار دهسهما القطار القادم من مدينة دلهي وماتا في عام 50 ق م ، ولم يحضر جنازته إلا بعض المتطوعين لأنه عاش ، حقيرا ومات محتقرا.
قلت : يشغلني اسم جُمار مُهرة.
قال : الناس في فاسكونيا يتركون لأي موظف كبير أن يختار اسما لزوم الوظيفة ، وجمار لم يوافق علي اسم أبيه أو اسم أمه لأنه كان من أسرة فقيرة فاختار اسم زوجته مُهرة وظل عليه حتى مات.
وسوم: العدد 632