صاحبة الصون والعفاف

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

حلمت يوما بالحرية , لكثرة ما أسمع هذه الكلمة حلمت بها ,فأنا لا أعرفها لا أعرف كيف هي !! ما طعمها ومذاقها  ما هو لونها وشكلها ؟

حرية .. حرية  كلمة نسمعها ونرددها نحن الجيل الثوري الممانع في كل المحافل وفي كل المناسبات (في الطلائع حرية ..في شبيبة الثورة حرية ..في اتحاد الطلبة حرية .. عند طلة الرئيس حرية .. عند التنديد بالأعداء حرية ....)

ما هي هذه الحرية ؟ ( تلبس .. تؤكل..تشرب.. هي لعبة شائقة تبعث في الحياة حياة

أم وردة تعبق بالمسك والعنبر .. ماهي هذه الحرية ؟

لم يتجرأ أحد منا أن يسأل عنها   لم يتجرأ أحد منا أن يستفسر عن ماهيتها  حربة.. حرية .. حرية

قلت لصاحبي : هل عندك للسر مكان أمين ؟ قال : سرك في مهجتي وبين أضلعي

ما هو ؟ قلت : أريد أن أغمض عيني وأحلم بالحرية لعلي أراها في المنام فأعرف شكلها.. لونها . . ريحها.. طعمها .. لعلي أعرفها !! ضحك صاحبي ثم فكر مليا وقال : إذن تعال نحلم معا , فأنا مثلك لا أعرفها وأتوق للتعرف عليها .

أسدلنا جفوننا نحن الإثنين معا, وأخذنا ننتظر قدوم ( صاحبة الصون والعفاف )  الحرية

يا للهول .. لقد أغرقنا الحلم في بحر متلاطم من الجماهير الغاضبة وحناجرهم تصدح بنداء محبب " حرية.. حرية.. حرية " فرفعنا صوتنا وأخذنا نصرخ مثلهم

" حرية.. حرية.. جرية " ونحدق بين الجماهير لعلنا نلمح صاحبة  "الصون والعفاف "  , فجأة اختلط النشيد المحبب بأصوات الصراخ والعويل وأصوات الرصاص , الرصاص ينطلق من أفواه البنادق مطرا أحمرا قان بينما أعداد لا تحصى من الشباب ممددون على الأرصفة وفي الشوارع والدماء تصبغهم وتوشّي الأرض من حولهم بالأحمر الطاهر .

قلت لصاحبي : هذا لون فستان صاحبة ( الصون والعفاف) ولكنها لم تظهر بعد

وتتابعت الأيام والأحداث وازداد حجم الفستان القاني حتى غشّى الشوارع والطرقات , وغطى أسطح المنازل وشبابيك الدور , وازداد حماس  الشباب للقاء الحرية والذود عنها بالغالي  و بالرخيص .

عمّ الخراب , واشتعلت الحرائق , والغول ممعن في القتل وغربانه السود منتشرة في كل مكان , ولم يظهر للعيان سوى فستان صاحبة ( الصون والعفاف ) بلونه الأحمر القاني .

خجلت الشمس من إرسال أشعتها إلى الأزقة والطرقات , والغرف المملوءة بالآمال والأحلام  ,, والقلوب العامرة بالإيمان , وتوارت خلف سجف سميكة من الدخان والغبار . وأشفق الليل على أحلام الصبايا والشباب وآمال الأطفال , فلف الجميع بدثاره الأسودالمظلم , وزالت كل المعالم الجميلة , لم يبق سوى الخراب وأكوام الحجارة والتراب , ونتف مبعثرة هنا وهناك وفي كل مكان من فستان صاحبة       ( الصون والعفاف ) ولكن هذه النتف لاتزال تحتفظ بنضارة لون الفستان وزهوه

( أحمر قاني حميل مضمخ برائحة الحياة )

قلت لصاحبي : لقد فقدنا الكثير من الأحبة . قال : وفقدنا كل الأحلام التي نسجناها . قلت له : بقي الحلم الحقيقي    الحياة مع الحرية   مع صاحبة (الصون والعفاف )

إنه الحلم الوحيد الذي لم نفقده بل نقترب منه في كل يوم .

  قال صاحبي وهو يحدق في الفضاء بعيدا : يقولون أن هناك خلف البحر تسكن عائلة صاحبة( الصون والعفاف ) ولها أهل وأخوات ,ولها محبون وأنصار ,  ما      رأيك أن نذهب إليهم  ونسألهم  العون   والمساعدة , نسألهم أن يرشدونا إلى صاحبة   ( الصون والعفاف ) ؟

قلت له معقبا : حتى وإن لم نلقها سوف نعيش مع أهلها ومحبيها ,

وتحول الحلم بنا إلى حيث يعيش الناس خلف البحر أملا في ملاقاة صاحبة ( الصون والعفاف ) الحرية

في غمرة هذه الأفكار المتداخلة المتلاطمة  وحلمنا لما ينهض بنا بعد إلى تلك الديار خلف البحر برز أمامنا فجأة شيخ جليل مهيب وأشار بأصبعه الإبهام إلي وخاطبني :

إلى أين يا فتى ؟

قلت بجرأة وبفخر واعتزاز: إلى هناك  إلى بلاد الله العامرة نطلب المساعدة من أهلها على عدونا الغول وغربانه الكريهة

قال : أتحسب يا بني أنهم يساعدون أمثالك على الغول وهم الذين مكنوه !؟  لو أرادوا المساعدة لضربوه من أول يوم على رأسه  وأراحوا البلاد والعباد من لؤمه وشره !!. يا بني  لا تغرك الشعارات واليافطات والكلام المعسول , ليس عندهم لأمثالك شيء سوى العهر – العهر الحقيقي -  إنهم قواد  عهر  وبه يتاجرون وإليه يدعون . يا بني .. يا بني ما حكّ جلدك مثل ظفرك  فتولّ انت جميع أمرك .

ترقرقت دمعة حرّى من عيني , فأشحت بوجهي عنه خجلا وقد تابع قائلا :

يا بني ( هم العدو فاحذرهم .. هم العدو فاحذرهم )

يا بني إنهم لئام .. مسكونون باللؤم .. فاحذرهم

يا يني : فلا ترجو السماحة من لئيم     فما في النار للظمآن ماء

أتدري يابني .. إنهم بربدون أن يهاجر إليهم الناس ليس محبة بهم , ولا عطفا عليهم بل لتخلو الديار من أهلها وحماتها المدافعبن عنها وتبقى لمطاياهم وأذنابهم يرعون لهم فيها مصالحهم  بينما أهلها الحقيقيون يتيهون في بلاد الغربة ويضيعون ..

لويت عنان الحلم وقلت لصاحبي هيا نعود إلى بلدنا   إلى حّينا   إلى دارنا نزرع فيها نبتة الحرية ونسقيها دمنا ..  ونسقيها دمنا  .  

وسوم: 634