حمار مسلم

الذين رأوه آخر لحظة قالوا إنه انحدر عاديَاً في الدرب النازل إلى الوادي القليل الغور .

وفي لمحة هوى يتقلب ويضطرب إثر دفقة رصاص انقضت عليه من البرج الذي ينتصب

في قلب مستوطنة كفار داروم راصداً جوانبها الأربعة . وتباينت نسبته على ألسن الناس :

قال بعضهم : مات حمار مسلم . وقال بعض آخر : قتل اليهود حمارهم ، أما مسلم فأصر أنه حماره .

                                                ***

لما سرق عودة الحمار من المستوطنة وصفه ناس بالجرأة ، ووصفه ناس بالنذالة . قالوا : يسرق حماراً ؟ !

الأصوب أن يفعل شيئاً آخر. شرى مسلم الحمار بمائة شيكل، ودخن عودة سجائر بمائة الشيكل . واندهشنا لما رأينا مسلم

يذهب إلى موقعه على الحمار! ضابط يذهب إلى موقعه على حمار حتى ولو كان في الستين مثل مسلم ؟ !

وصارحناه بما يقال عنه فضحك ، وقال : يا إخوان ! تسمون ما أمشي إليه موقعاً ؟ ! أنا أمشي إلى شِق .

شاي وقهوة وسجائر وكلام . العساكر أكثر من البنادق . سلاح السلطة محدود لضبط الأمن الداخلي لا لمحاربة اليهود .

وكان يربط قائمتي الحمار الأماميتين معا ً، ويسرحه في كرم اللوز الذي تقبع الغرفة المسماة موقعاً في جنبه الشمالي .

وأصيلَ يوم ، نزل عن حماره عند بقالة عمي حيث اعتاد شراء السجائر . وبعد أن أشعل سيجارته تأملني ، وسأل : تفهم العبري ؟

هززت رأسي نافياً ، فقال عمي : أفهم كلام اليهود . ماذا تريد ؟

فالتفت إلى الحمار وقال : اللعين لا يفهم العربي !

ضحك الحاضرون وتبادلوا النظر .

قال مسلم جاداً : أقول له " حا " وكأنني أقول " على مهلك " ، وأقول " هيش " وكأنني ما قلت كلمة . أستغرب

أن يربي اليهود الحمير . واحد قال لابد أن في المستوطنة يهودياً يمنياً .

قال عمي : سيتعلم العربي . صبرك !

وفي مستهل الانتفاضة صوبت دورية إسرائيلية نارها على موقع مسلم ، فانفلت الحمار وشرد . كانت برذعته

على ظهره . وحكى شاب من المنطقة أنه رآها منزلقة على بطنه . عاد إلى المستوطنة عدواً ، فصرع . حسبه

جندي البرج مفخخاً . وتباينت نسبته على ألسن الناس : قال بعضهم : مات حمار مسلم .

وقال بعض آخر : قتل اليهود حمارهم .

 أما مسلم فأصر أنه حماره ، وأضاف منفعلاً : الأرض وما عليها لنا .

وخص عمي بالكلام : أنت من جيلي . تذكر أن بيتنا كان في الأرض التي بنوا عليها المستوطنة ؟

قال عمي : أذكر بيتكم . كان بينه وبين الطريق شجرات خروع . 

_ لسانك عسل . صاحب الأرض والبيت هو صاحب الحمار .

_ كل فلسطين وما فيها لنا ، إن الله مع الصابرين يا حاج مسلم .

وسوم: العدد 658