شيطان بالبيت
نشأ ناصر عبد الحميد في أسرة فقيرة تتكون من أبيه وأمه وخمس بنات وهو الولد الوحيد. كان الأب يعمل بالأجرة في حقول الفلاحين، وأمه تعمل في مساعدة نسائهم في البيوت، أما البنات الخمس، فكن يعملن باليومية في شتل الأرز، وجمع القطن، أيام كان هناك قطن، وأي عمل آخر يأتي بشيء من الرزق.
كانت الأسرة كلها تعمل لتعيش، ولكي تعلم الولد الوحيد ناصر عبد الحميد، فأرسله أبوه إلي الكتاب لحفظ القرآن، وتدرج في التعليم بعد ذلك حتى وصل إلي الجامعة.
كانت تشغله مشكلة منذ الطفولة، وحتى الجامعة، وهى أن بعض الشباب الذين يرغبون في كراء [ تشغيل ] البنات كانوا يأتون إلي بيت عبد الحميد، ويسهرون فيه، ويقضون وقتا طويلا، وكانوا يعاكسون البنات معاكسات لا تتعدى اللمس، والإمساك بما تطوله اليد، الأمر الذي ترك جرحا في أعماق الولد، وتجذَّر عنده في اللاشعور.
في القاهرة سكن ناصر عبد الحميد، في منزل الحاج زعتر، وتوطدت علاقته به، وتبادلا الهدايا البسيطة، إذ كان عم عبد الحميد يحمل معه إلي القاهرة جهد وعرق الأسرة الأجيرة، وبعض الفطير والسمن واللبن، وكانت زوجة الحاج زعتر بدورها لا تحرم الأستاذ ناصر، من بعض الطعام الذي يجهز بالمنزل، ومع الأيام طلبت منه أن يساعد ابنتها سندس في المذاكرة للثانوية العامة.
انفتح ناصر علي البيت، وانفتح البيت عليه، وجلس أمام سندس فاتنة الجمال، وهو ــ كفلاح ــ كان لا يرى الجمال إلا في الوجه والعينين ــ هكذا كان يُنظر إلي الجمال في الريف قبل دخول الأجهزة الحديثة ــ ولكنه لما اختلط بها عن قرب، أياما كثيرة وليالي أكثر، شعر أنها تحفة من الجمال لا تُقدّر.
تخرج ناصر، وعمل بالقاهرة، وظل في سكنه مع أسرة زعتر، ودخلت سندس الجامعة، فتقدم لخطبتها وتم الزواج بعد عامين من الخطبة ثم تم الزفاف الذي حضره بعض أهل القرية لكنهم انصرفوا غاضبين متسائلين: كيف يتزوج ناصر بن عبد الحميد الأجرب الجوعان، من بنت في هذا الجمال، وعادوا إلى بيوتهم وناموا علي حزن كبير.
بعد فترة من الزواج أرسل عم عبد الحميد برقيه لناصر يقول له فيها:
احضر إلينا فرح أختك آمنة أول الشهر.
طلب ناصر من زوجته سندس أن تجهز نفسها لهذا الفرح، فقالت له:
ـ أحتاج إلى أكثر من عباءة وطرحة حتى يتناسب ذلك مع الفلاحين.
ـ بالعكس أنا أريدك قبل السفر أن تذهبي إلي مصفف الشعر، وتصلحي من شعرك وكل جسدك حتى تكوني نوَّارة الحفل.
ـ أتريدني أن أتزين وتأكل لحمي العيون الجائعة.. في جميع الشرائع هذا حرام!
ـ لا تشغلي نفسك بالحرام والحلال، فالله غفور رحيم، وهو الذي خلق الجمال، فلن يحاسبنا علي إظهاره للناس بأي شكل أظهرناه.
تزينت سندس، وذهبت إلي الفرح، وكل شباب القرية يقولون لو كان لنا مثل ناصر؟
وبعد سنوات، ذهب ناصر في إعارة للسعودية، وهناك تقابل مع سائق سيارة أجرة حصلت له مشكلة مع الكفيل، فقال له ناصر:
ـ لماذا تبقى في السعودية؟
ـ كل ما أتمناه أن أجد سيارة أعمل عليها.
ـ هذه مشكلة بسيطة انزل مصر، وعندما أحضر في الصيف سأشتري لك سيارة يكون ربحها مناصفة بيني وبينك.
حضر ناصر في الصيف، واشترى بالفعل السيارة ليعمل عليها صديقه عادل محجوب، وطوال الأجازة استغل السيارة في الذهاب إلي المسار ح ودور السينما وشراء كثير من الهدايا لزوجته وابنته زينة وابنه أحمد، وكما هي عادته كان يطلب من زوجته كل ليلة أن تتزين كما تشاء، فكانت تقول له:
ـ عيب، معنا رجل غريب ولا يصح أن أظهر هكذا أمامه.
ـ عادل محجوب أخي، وهو متزوج ورجل محترم.
وغادر ناصر عبد الحميد القاهرة إلي الرياض، وكان في وداعه في المطار سندس وأحمد وزينة وعادل محجوب.
مضت الأيام، وطلبات خروج الزوجة وأولادها للفُسح تتكرر كل يوم، أو يومين، وتوطدت علاقتهم بالسائق، لكن في يوم من الأيام ، وسندس تجلس بجواره وهو يقود السيارة لاحت منه نظرة إلي قدميها الجميلتين، فأسرت سندس في نفسها أشياء!
بدأت علاقة غير شرعية بين عادل وسندس، ومن كثرة تكرارها أصبحت روتينية كأنهما زوجان لكن زينة لاحظت، وتأكدت مما يحدث، وفي أحد الأيام كان عادل يوصِّلها إلى الجامعة، فصارحته بشكوكها.
ويا ضعف من لا يتقوى بالخوف من الله.. أصبحت الأم وابنتها لا ينكران منكراً، ولا يعرفان معروفاً، والأدهى والأمر.. لا يشبعان ، وهجر عادل زوجته وأطفاله بحجة التفرغ للعمل.
تعوَّد ناصر أن يقضي أجازته ثلاثة أشهر كل عام يحياها في سعادة ويجد امرأته كما يريد فيلبي لها ما تريد ثم ينصرف إلي عمله في السعودية بعد أن يسمع قصائد المدح من أهله في شريكه عادل محجوب، وكان يترك المال في يد سندس ويقول لها:
ـ تصرفي كما تشائين.
أخذت سندس المال واشترت به أرضاً كتبتها باسمها، وبعد خمس سنوات عاد ناصر من السعودية سعيداً بالخير الذي صنعه لأولاده، ولزوجته، وحاول أن يمارس عمله ويباشر أرضه لكي يبني فيها بيتا جميلا له ولأولاده، وكان محبا لزوجته ملتصقا بها أغلب الوقت، لا يجعلها تخرج إلا في النادر.
هذا الأسلوب ضيَّق الخناق علي رجل وامرأتين، لكن في ليلة من ليالي الصيف اعتذر ناصر عن عدم الخروج، وقال لعادل:
ـ خذ الجماعة فسحهم وسأسهر أنا مع أحمد.
وفي مكان نائي علي طريق الإسماعيلية، جلس عادل وسندس وزينة ليتفقوا علي قتل ناصر ورائحة الخمر تفوح من أفواههم.
دخل عادل إلي البيت وقت قيلولة ناصر ومعه ساطور وعدد من السكاكين والحبوب المنومة وأشار لسندس أن توقظه من النوم ، وأن تجهز له كوباً من الشاي المشبع بالمنوم.
شرب ناصر الشاي وراح في ثبات عميق، فحمله عادل إلي حوض الاستحمام [ البانيو ] ومدده وهوى بالساطور على أم رأسه فصرخ المسكين صرخة انتفض لها جسده وسكت بعده إلى الأبد.
بدأ عادل يقطع جسد ناصر إلي أجزاء كل جزء زنة كيلو جرام، وسندس تقف بجواره تكيِّس هي وابنتها اللحم بالعظم، وهنا استيقظ أحمد، وأغمي عليه من بشاعة المنظر فعاجله عادل بساطور في رأسه فوقع ميتا، وتم تقطيعه كما قطع أبيه من قبل، وعبئت الأكياس في أجولة، وبعد العشاء تم نقلها إلي السيارة، وركب الثلاثة وقاموا بتوزيعها في أماكن في ثلاث محافظات: القاهرة ـ القليوبية ـ الشرقية ــ وعادوا إلي تنظيف البيت ومحو أي أثر فيه.
وفي اليوم التالي قام السائق بدفن الساطور والسكاكين في مكان لا يذهب إليه أحد، وذهب إلي البيت ومعه زجاجات كثيرة من الخمر وقضوا الليالي في المتعة الحرام.
كان أحد سكان المنطقة له موعد مع ناصر عبد الحميد لشراء قطعة أرض، وذهب إلي البيت مراراً وتكراراً فلم يجد فيه إلا عادل وسندس وزينة، فشم رائحة غدر بالرجل وابنه بعد أن شابت بنسوة البيت الظنون، فأبلغ الشرطة من تلقاء نفسه، وتم عمل التحريات، وتم القبض علي الثلاثة وتحت ضغط تحقيقات البوليس اعترف الثلاثة، وذهبت أوراقهم إلى المحكمة، ومنها إلي المفتي الذي صدق على حكم الإعدام.
وقبل الإعدام ذهبت إحدى الصحافيات إلي سندس في زنزانتها، وسألتها أسئلة كثيرة كان أخطرها:
ـ لو عاد بك الزمان هل كنت ستقتلين زوجك بهذه الطريقة البشعة؟
ـ نعم، لأنه أعطاني المال والحرية المطلقة وأتي لي بشيطان ملّكه أمري.