أختي الكبيرة
ابنتي الصغيرة (شهد) تبكي مساء تريد أن تقص أظافرها لأن المعلمة غداً ستفتش على النظافة من شعر وأظافر وملابس وهي نظيفة لكن أظافرها طويلة قليلاً .. فقامت أختها الكبرى تفتش لها عن مقص الأظافر لتهدئ من روعها وترتب أختها ، عدت بذاكرتي إلى وراء وراء بعيداً جداً ؛ حين كنت صغيرة في عمر صغيرتي وقمت صباحاً ورأيت أظافري طويلة قليلاً ؛ وكان عندنا تفتيش نظافة كالعادة في بداية كل أسبوع دراسي .. وركضت نحو أختي الكبيرة ودموعي تتحدث لا لساني .. وعيناي على أظافري .. نظرت أختي إلى في حب ولهفة تلك النظرة ربما عمرها الآن أكثر من ثلاث وثلاثين سنة وقالت :
ـ اهدئي يا حبيبتي الآن أجد حلاً ..
وجدتها تبحث في أغراض الخياطة علها تجد مقص الأظافر دون أن توقظ والدتنا أو تدخل غرفتها ، كان الجو شتاءً ؛ الأمطار في الخارج شديدة ، والبرد قارص ، وهي تبحث وتبحث دون أن ترتدي معطفها الشتوي أو حتى بلوزة ثقيلة تقيها هذا البرد .. فهي منهمكة في البحث حتى وجدت مبرد أظافر وأجلستني على الأرض وجلست بقربي وأخذت تبرد أظافري واحداً تلو الآخر .. وهكذا حتى انتهت من مهمتها وإذا بصديقاتها يقرعن الباب لنذهب معاً إلى المدرسة فالطريق طويلة والجو مخيف جداً .. ركضت نحو الباب وطلبت منهن انتظار أختي عشر دقائق لتلبس ..
موقف بسيط حفر في ذاكرتي وفي قلبي معاني كبيرة ما أجمل حنان الأخوات ..
في إحدى المرات سألتني صغيرتي :
ـ متى يا أمي تعلمت الالتزام بالصلاة من دون أن تخافي من غضب أمك ؟
قلت لها وأنا أبتسم :
ـ حين تزوجت أختي الكبرى ..
سألتني باستغراب بريء :
ـ وما علاقة العروس بالصلاة ؟
قلت لها بفخر :
ـ بعد أن تزوجت أختي الكبرى ، ذهبت أقضي يوماً عندها ، وكنت حينها في السادسة من عمري ، كنت أراها في كل وقت تسمع فيه الأذان تترك كل ما لديها من عمل وتنهض تتوضأ وتصلي ، قلت لها :
ـ من من تخافين يا أختي ؟ بابا وماما ليسا هنا ولا عمو زوجك ؛ لماذا تصلين كل وقت ؟
قالت لي مبتسمة :
ـ أنا لا أخاف من أحد .. أنا أحب الله وأصلي لله لا لأمي ولا لأبي ولا لزوجي ..
كان درساً عملياً وقدوة صالحة لن أنساها ما حييت ..
ما أجمل القدوة العملية من إنسان تحبه ..
ما أحن الأخوات وما أجمل ذكريات الطفولة ...
وسوم: العدد 669