لقمة القاضي
هنالك من يدعوها ب"العوامي".
هي حلوى مرتبطة بشهر رمضان. وتحضر موائد السفرة لتزينها بشكلها المدور الصغير ولونها الذهبي.
لقمة القاضي حلوة المذاق, اذ تشعر بها في الفم عندما تفغمها باسنانك فتنفجر لتوزع ما تحتوي في جوفها من قطرحلو لينتشر في حلقك فتتذوق حلاوتها بلسانك.
تناولها ادمان. ولا اعرف (رغم بحثي في عدة مصادر) من اخترعها ولماذا سمية بهذا الاسم. لذلك اجتهادا مني سالفق لها قصة وخاصة ان إسمها يوحي لقصة دراميتكية.
يحكى انه في بغداد عاش قاضي يحكم بالعدل بين الناس. وكان بشوشا ومحبوبا من قبل كل السكان.
وفي يوم من الايام. توفيت زوجة القاضي فحزن عليها حزنا شديدا. فانعكس فقدانه لزوجه عليه سلبيا. لم يعد يتفرغ لدار القضاء. فإختفت مظاهر العدل وازداد الظلم في المدينة. ولم يعد بشوشا كما كان. بل اصبح دائم الحزن لا ييبرح بيته.
اجتمع اعيان المدينة كي يتوصلوا الى معادلة تجعل القاضي الحزين يعود الى ما كان عليه.
اتفقوا بعد جلستهم التشاورية ان يبحثوا عن عروس يزفونه اليها. عسى ان تنسيه الحزن وتبعث في نفسه السرور.
ذهبوا الى القاضي في بيته وعرضوا عليه اجمل وارقى فتيات بغداد. لكن القاضي كان يرفضهن اصرارا وتعنتا.
احتارت الرعية في امر القاضي. فحال مدينتهم يزداد سواءا كما هو حال قاضيهم المحبوب.
اعلنوا عن جائزة مالية لمن يستطيع ان يخفف عن القاضي حزنه, ويرفه عنه ويجعله يبتسم.
جاءت من اقصى المدينة فتاة. مهتبأة خلف لثام. قالت لهم: انا من سيغير الحال. وسابعث في نفس القاضي البهجة والسرور. ولن يكلفكم ذلك دينار.
عادت الى بيتها واخذت تحضر اكلة لا مثيل لها. وبعد ساعة من الزمن اتت باكلة حلوة المذاق يتمناها العشاق وقالت قدموها للقاضي.
حمل كبير الاعيان قصعة الحلوى ودخل بها الى القاضي الزعلان. وبعد محاولات واقناع مدّ القاضي يده وتناول قطعة مدورة من الحلوى.
وما ان وضعها في فمه ومضغها حتى تفجر القطر في حلقه. وبدت ملامح التلذذ بمذاقها على وجهه.
نظر القاضي الى القصعة واختطفها من يدي كبير الاعيان. واخذ يلتهم الحلوى بشغف وولهان. وهو يتمتم بصوت مسموع : ما الذّها! ما ازكاها! ما هذا المصنوع؟
هاتوا لي الصانع.
خرج كبير الاعيان. من عند القاضي فرحان. وبعد هنيهة عاد مع الفتاة على وجهها اللثام.
سألها القاضي عن اسم الحلوى وعن مواصفاتها ومن اين تعلمت صناعتها.
اجابت ذات اللثام: إنها صنعت خصيصا من اجل القاضي. احسنت صناعتها كي تخرج القاضي من الحزن الى السرور. أما اسم هذه الحلوى فهي بلا اسم لانها لاول مرة تصنع.
سألها القاضي: ماذا تقترحين ان تسمي هذه الحلوى يا ذات اللثام؟
اجابت: نسميها لقمة القاضي ولك الاحترام.
نظر القاضي اليها معجبا بكلامها وقال: اتقبلين الزواج بالقاضي وتكونين له مدام؟
قالت: ليس قبل ان اميط اللثام.
واماطت عنها اللثام. فاخذت الصفنة كل من تواجد في الديوان. فقد كفوا عن الكلام. وفز القاضي من مكانه وقام. وصرخ: يا سلام. هذا ليس جمال انسان. اما ان تكوني حرية او جان. جمالك خلاب نجده في الافلام. من انت يا صاحبة اجمل وجه وقوام؟
قال القاضي. هات الوالي ليععقد لنا القران. فهذه الحرية عرفت. ان الطريق الى الرجل معدته فالتزمت.
وهكذا وبفضل ام اللثام. تأكلون في شهر الصيام. لقمة القاضي او العوام. وعادت البسمة الى وجه القاضي. في النهار يحكم بين الناس. وفي الليل لزوجه فاضي.
وتعلمت نسوة بغداد صناعة لقمة القاضي. وانبسطوا الازواج منهن. فساد الحب والوئام. وانتشرالامن والسلام. بين كل الناس في ذلك الزمان.
صحتين وعافية.
وسوم: العدد 673