الرّحلةُ الغريبة
محمد عميرة – القدس
كثيرا ما كان يُلحّ كنعان على صديقه وحيد لصحبته في رحلة خارج قضبان العناء وهروباً من صخب الحياة في زمن يَـعُزّ فيه الحياء ، لكنّـه دوما يأبى .
جلس وحيدٌ تحت شجرة الكرْمَــة يتأملّ في خُضْرة نيسان وجماله وكَرَمه ؛ وكيف تأتي الأشياءُ من العدم ، وأنّ ثمـّـة أشياء لا تفسير لها منذ القِدم ، إلا أنّ وساوس إبليس غَزتْهُ فهو عدوّ للإنسانية فانحرف تفكير وحيد إلى الزاوية الأخرى حيث الفوضوية وانقلاب الموازين والظلم بين الأنام في هذه الأيام ، وتساءل : لماذا نرى المنكر ولا ننكره ؟ لماذا إذا أنكرنا المنكر يُنكرنا الناس وينزعجون ويسخطون ؟ ولماذا أضلاعُنا يُزاحمننا في كل مجالات الحياة ؟ ولماذا إذا أزعج الجار جاره ظلّ الجار المزعوج ساكتاً فيصبح الجار المـُـزعج حائرا متسائلا : لماذا جاري لا يُراجعني ويعاتبني ويقول لي أنني ضايقته ؟ هل عنده صبر الصدّيقين أم أنه أصمّ أم أنه نائمٌ أرهقه التعب ؟ ولماذا تهرب الأسود من القرود في أدغال الكوكب الأزرق ؟ ولماذا ولماذا ...
أثناء سَرَحان وحيدٌ في تساؤلاته سمع نداء كنعان فقال له : تفضّل إنني هنا تحت شجرة العنب .
تعانق الرفيقان وطلب كنعان تحضير إبريق الشّاي بالنعناع ، وكعادة كنعان راجع رفيقه بخصوص مرافقته في رحله فوافق بلا تردد فتبسّم كنعان بسمة جمعت الفرح والدّهشة .
سأل وحيدٌ : هيا يا كنعان أيُّ مكانٍ تريد الذهاب إليه فيه السّكينة والهدوء والطير تُغنّي لنا بعد ولادة الشّفقِ الأحمر الدّافىء لحنَ الحرية الخالد على بساط العُشْبِ الأخضر ؟
أجاب كنعان : موجودُ هذا المكان لكنك لا تراه .
وكيف ؟ سأل وحيد ٌ . أجاب كنعان : أنت كنت في ذاك المكان إلا أنّ إبليس أخرجك منه غيرةً منك وحسداً .
ترنّحَ دماغ وحيد ثمّ عرف .
قال لصديقه : افسح لي قليلاً من مساحة وزمن أقدّمُ خلالهما صلاةً وشكراً لله .
فقال كنعان : وأنا كذلك ، فعلا ذلك ، وبقيا هنالك ...
مرّ بهما شيخٌ يُجَلـّــلُهُ الوقار وألقى عليهما السلام وقال لهما : إن شاء الله بعد عقدٍ تُشارككم كلّ الأمّة في هذه الرحلة وهذه المُتعة .