حشد الجماهير
خدم جدي أديب ناشر النعم ــ رحمه الله ــ في البحرية العثمانية، ثم في الجيش العربي، في أيام الملك فيصل، ثم انتسب لسلك الشرطة إبان الاستعمار الفرنسي. وكان يخدم في الثلاثينات من القرن الماضي في مخفر باب النصر في حلب.
حدثني أنه في إحدى الأيام دخل رئيس المخفر، وهو مهموم، ويفرك يداً بيد. وأخبرهم أنه قد أُخطر بزيارة جنرال فرنسي للبلدة، وأنه سيزور بعض الأماكن في حلب، ومن بينها السجن قرب القلعة، وأنه يتعين عليهم أن يحضّروا حشداً من الناس لاستقباله... وظل يتمتم: من أين آتي بالناس لاستقباله؟ من أين؟
وهنا انبرى أحد العكاريت من عناصر الشرطة في المخفر، وقال: أتعهد بأن أجمع أكبر حشد فور وصول الجنرال.. متى سيكون أمام السجن؟ فقال رئيس المخفر في العاشرة صباحاً.
في التاسع والنصف انطلق الشرطي، وأحضر طبلاً كبيراً، ووقف أمام باب سوق الخابية يقرع الطبل، لمدة عشر دقائق، فتجمهر الناس حوله باهتمام واستغراب، ثم بدأ يسير ببطء باتجاه عوجة السجن، فبدأ الناس بالمسير وراءه، وعلى طول الطريق كانت الأفراد تنضم للمسيرة فيتكاثرون ويتضاعفون، وجميعهم يمد عنقه، ويستطلع، حتى وصلوا لباب السجن، وفي الوقت المحدد نزل الجنرال من السيارة فاستقبلته (الجماهير الغفيرة) في أبلغ حفاوة، وأعز تكريم.
وسوم: العدد 715