صديق قديم.. من الساحل
عام 1967 ، وكنت موظفا في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، عهدوا إليّ بإدارة مرفق صغير سمّوه "مكتب التخديم والتوظيف"، يتقدّم إلينا طالبو العمل فنحيلهم إلى حيث قلما يجدون عملا!
بُعيد حرب حزيران، جاءني فتى من الساحل، فزوّدناه بكتاب إلى معمل، انتظم بين صفوف العاملين فيه على غير ارتياح لنوعية العمل وللجوّ فيه، وهو القادم من ريف الساحل. وفي ودّه الملحوظ - وإني أعمل دائما على أن أقيم صداقات مع من ينتمون إلى قاع المجتمع هؤلاء الذين وقفت نصف أدبي عليهم والنصف الآخر على مثقفي النخبة المقهورين! - كان يحدثني عما يلاقي من زملائه في المعمل ما جعله يهجر العمل، ويغيب عن عينيّ.
كنت في ذلك الحين أدنو من الأربعين عمرا، وبعد عشرين عاما التقيته قريبا من "حديقة الجاحظ" في منطقتنا. تبادلنا التحية الودية. رأيته، وقد أصبح في نحو الأربعين، رجلا ذا شأن، حتى خُيّل إليّ أنه من أهل الأمن الذين يحرسون الوطن.
وكان آخر ما التقيت به أوائل أيام الأحداث، في حارتي، على الناصية التي تقابل ما كان يسمّى "فرن نوري باشا" الشهير، يقدّم "الخبز المشروح" مرشوشة عليه "حبّة البَركة". أمسى الرجل في الستين، وكان الجديد فيه أنه يصحبه شاب يحمل في يده ما يطيب لي أن أسمّيه "حقيبة الأوراق"، وقد رأيته يلاحظ بعينين مفتّحتين حرارة اللقاء بين واحد من سكان الحارة وبين "معلمه" الأمني.
ولأني رجل يهتمّ بالصداقات الجميلة ويهوى المزاح، فقد تراءى لي أن أسأل صديقي القديم، عما إذا كان تردّده على منطقتنا يعني أنه موكلةٌ إليه "رعاية" سكانها، ورجوته بقلب مخلص أن "يتوصّى" بهم، وخاصة... أنا!
اللافت أنه على حين استغرق صديقي ضحكٌ نابع من الأعماق، فإنّ "مُرافقه" جعل ينقّل بصره بين معلمه وبين واحد من سكان هذه المنطقة "البرجوازية" يراه يسرف في ممازحة يبدو فيها أنه يعرف مهنة المعلم!
وسوم: العدد 722