بياع البعر
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
لله درك يا أستاذ صطوف المرزوق على هذة الفكرة وهذه التجارة بياع البعر اسم تاجر جديد ظهر في السوق بتجارة جديدة لم يعهدها الناس ولم يألفوها (تجارة البعر والزبل ومخلفات الحيوان) رغم أن الناس جميعا يعرفون فائدة البعر والزبل وأهميتهما كسماد عضوي مفيد للنباتات والأزهار والأشجار
كان صطوف المرزوق موظفا في البلدية قانعا بعمله راضيا تمام الرضا فقد تزوج من وظيفته وأسس بيتا ورزق أطفالا ثلاثة . الدنيا هي الدنيا لاتدوم على حال فإذا حلت أوحلت وإذا كست أوكست وإذا أضحكت أبكت .
لقد تغير رئيس البلدية التي يعمل فيها صطوف المرزوق وتغيرت معه حياة صطوف كان الرئيس البديل ذو صفات بارزة واضحة للعيان من أول يوم إنه (التحفة) كما لقبه الموظفون في البلدية فهو حزبي من أتباع السلطة ومن العيار الثقيل وله ذيل طويل ثقيل ثخين من المطبلين والمزمرين (كما وصفه الأستاذ باسل العمر صديق صطوف) وهذا الذيل يربطه بالسلطة والمسؤولين برباط متين وبه يصول وبه يجول .
الأستاذ صطوف إنسان مستقيم هادئ لطيف المعشر خادم ناصح في عمله فمن البديهي أن لايكون منتسبا لحزب السلطة لأن السلطة تجتذب الفاشلين الفاسدين وتسلطهم على رقاب الناس . والرئيس الجديد لص سارق لا ذمة ولا ضمير وله نفس جشعة لا تشبع ولا ترتوي
فوجد أن صطوف المرزوق موظفا غير
متعاون لم ينفع معه أسلوب اللين والإغراء ولم يؤثر فيه الضغط والقمع والتهديد
فكان لا يكف عن مضايقته ولأي سبب من الأسباب.
لم يطق صطوف المرزوق العمل في مثل هذه الظروف ففكر مليا وقلب الأمور من كل جهاتها
ولمدة طويلة ثم وصل إلى نتيجة نهائية (الإستقالة) لا بدّ له من أن يستقيل من هذا
العمل ويرتاح من رئيس البلدية (التحفة) وأمثاله وأشكاله. ولسان حاله يقول :
سأرحل عن بلاد أنت فيها === ولو جار
الزمان على الفقير
لقد نصحه زميله باسل العمر بالتريث والتحلي بالصبر اصبر يا صطوف تمهل فأنت
صاحب مسؤوليات (بيت , زوجة , وأولاد) ولا تجيد عملا آخر ولا تملك مالا تستعين به,
ولكن صطوف أصرّ على الاستقالة وقال لزميله الأستاذ باسل : سوف ترى يا أستاذ باسل
كيف سأمرغ أنف هؤلاء النكرات المتسلطين بالأوساخ حتى ولو عملت في تجارة البعر
.ولسوف أحول البعر إلى تبر والزبل إلى ذهب بإذن الله والأيام ستخبرك .
قال الأستاذ باسل : تجارة البعر ما هذا الكلام يا أستاذ !!؟
قال صطوف: نعم تجارة البعر فالبعر أكثر جدوى وأعظم منفعة من هؤلاء النكرات الأوساخ
استقال صطوف المرزوق من وظيفته وتمكن بالتعويض البسيط الذي تقاضاه عن خدمته من استئجار دكان متواضع في صدر السوق وبدأ الاعداد لتنفيذ ما نوى عليه
رمم الدكان ونظفه وطلاه وسط دهشة الناس وإشفاقهم على هذا الموظف المرموق والمصير الذي آل إليه ثم عمل على تأمين المادة الخام والعبوات والأكياس اللازمة للمصلحة والعمل
وبعد أن أكمل استعداده وأصبح جاهزا للبدء في عمله كان أول ما فعله أن علق على جدران الدكان صورا كبيرة لمناظر طبيعية وأشجار وأزهار وأوراد ...
ثم علق لافتة كبيرة فوق باب الدكان مكتوب عليها بخط أنيق :
محلات صطوف المرزوق لبيع وتسويق البعر والسماد العضوي
كل الذي يهدف إليه صطوف أن يعري النظام ويظهر قيمته التي لا تساوي بعرة واحدة في الحقيقة والواقع وأخذ يوحي بذلك للناس بالتلميح دون التصريح
إنها مفاجأة لأهل السوق وأهل البلدة جميعا , بيع وتسويق البعر !! ما هذا !؟
هل جن الأستاذ صطوف !!؟ وبدأ الناس يتناقلون الخبر بالتعليقات والنكات : يا سلام صار للبعر سوق وللزبل تجار !! هذه آخر منجزات النظام ! من سيشتري البعر ونحن منذ خمسين عاما لانتعامل إلا مع البعر بعر السلطة؟
هل توقف المسؤولون عن إنتاج البعر والزبل ؟
رجل طاعن بالسن : من قلة البعر حتى صار يباع في المحلات !؟
امرأة قرأت اللافتة تقول لابنتها : والله عال صار للبعر قيمة !!
أما صطوف المرزوق فقد تابع عمله بهدوء وهو سعيد بالتعليقات التي يطرحها الناس
وفي الصباح وقفت سيارة شحن متوسطة
أمام دكان مرزوق وأفرغت حمولتها وباشرالعرض
عبوات بلاستيكية أنيقة معبأة بعناية وأكياس نايلون ظريفة مملوءة بالبعر
أما الإعلانات المكتوبة على هذه العبوات والأكياس فكانت متنوعة مثل :
أجود أنواع البعر للحدائق والأزهار
بعر خراف بلدي صافي
بعر رسمي من اصطبلات رسمية
بعر(التحفة) خالي من الشوائب
خلطة بعر وزبل صافي مئة بالمئة
بعر ملوكي
بعر ظباء المسك
وهناك إعلان كبير على جدار المحل يقول :
بضاعتنا خالية من المواد الكيمياوية ... اشتر علبة بعر واحصل على صورة منظر طبيعي
اشتر كيس بعر وتخلص من التسلط والقهر
لقد رفع صطوف بإعلاناته هذه الغطاء عن الكثير مما يعاني منه المواطن من ممارسات السلطة التي لم يسطع التعبيروالإفصاح عنها وكشف زيف النظام وفساده من خلال التعليقات المقصودة التي كان يطلقها المواطنون منها: نظام لا يساوي بعرة ... استعمل بعر صطوف وتخلص من الفزع والخوف .. بعرة تحفةأحسن من(التحفة) هؤلاء عشرة لايساوون بعرة (ويشيرون إلى أزلام النظام)
خيرات العمر في نظام البعر ... البعر ولا عيشة القهر
أما في المدارس فقد أخذ الأساتذة( يفلسفون تجارة البعر ) ويشرحون فائدة البعر والزبل لأبنائهم الطلبة ويثنون على صاحب هذه الفكرة المبتدعة قال أحد المدرسين في حصة العلوم : البعر أكثر فائدة من كثير من الطفيليين
الأرض يا أبنائي هي مصدر الخيرات للإنسان والحيوان فإذا خدمتها واعتنيت بها أعطتك خيراتها بسخاء وكرم وإذا خدمت غيرها سلبوك بهجة العمر وسقوك كاسات المر فالبعر أكثر فائدة من كثير من البشر
سأل أحد الطلبة وكيف نخدمها يا أستاذ ؟ أجاب المدرس : أن تحرثها وتنظفها من الشوائب والأعشاب غير المفيدة وتقدم لها الغذاء اللازم .
قال ثان: وكذلك الأوطان علبنا أن ننظفها من الشوائب الضارة أليس كذلك يا أستاذ؟ لم يجب الأستاذ
سأل آخر: وما هوانسب غذاء للأرض والتربة ؟ قال المدرس : السماد العضوي الطبيعي
قال الطالب: الذي يبيعه الأستاذ صطوف
؟
وانفجر الجميع بالضحك
وتابع المدرس كلامه : البعر والزبل يا أبنائي انفع وأعظم فائدة من الكثير الكثير من الناس الذين يتسلطون على الناس فيختلسون ويسرقون ويقمعون ويرهبون الناس ويمتصون الخيرات ويهلكون الحرث والنسل دون أن يقدموا أدنى فائدة ترجى وفي الحقيقة العشرات منهم لا يساوون في القيمة بعرة واحدة
واستمر الحديث في البلدةوما حولها على
هذا النحو حتى ساد مفهوم تعارف عليه الناس وهو : مفهوم البعرة والثمرة وكان غالبا
ما يوظف للتعبير عن حالات ومشاكل سياسية يعاني منها الناس
لقد راجت تجارة صطوف على أحسن وجه واوصل الفكرة التي قصدها لكل الناس ومن الطريف أن
ابنه الصغير لكثرة ما سمع عن البعر سأل والده : هل يؤكل البعر يا أبي؟ قال له :
الآن لايؤكل ولكن اصبر ولسوف تأكل منه ملبسا حلوا يحبه قلبك .